لكونه مشتملا على لطائف كثيرة، ويتفرع إلى فنون واسعة، تتفاضل فيها المراتب، وتتفاوت فيها الدّرج فى أساليب النظم والنثر، والتبريز فيه قليل، فما قلت ألفاظه وكثرت معانيه فهو الإيجاز، وما كثرت ألفاظه وكان فيها دلالة على الفوائد فهو الإطناب، وما كثرت ألفاظه من غير فائدة فهو التطويل، وما تكررت ألفاظه المتماثلة فهو التكرير، وقد قررنا هذه المعانى من قبل فأغنى عن إعادتها، فهذا ما أردنا ذكره فى تقسيم الإطناب والله الموفق.
[المبحث الثالث فى ذكره أمثلة الإطناب]
اعلم أن هذا النوع من علم البيان كثير المحاسن واسع الخطو لطائفه بديعة، ومداخله دقيقة، فلنورد أمثلته من كتاب الله تعالى ثم من السنة الشريفة، ثم من كلام أمير المؤمنين ومن كلام البلغاء، فهذه أنواع أربعة:
[النوع الأول ما ورد فيه من كتاب الله تعالى]
فمن ذلك ما ورد فى صفة الجنة على جهة الإيجاز قوله تعالى: وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١)
[الزخرف: ٧١] فهذه نهاية الإيجاز، فإنه قد استولى على جميع اللذات كلها من غير إشارة إلى تفصيل، وكذلك قوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ
[السجدة: ١٧] فهذا أيضا دال على غاية اللذة بأوجز عبارة وألطفها، ومنه قوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠)
[الإنسان: ٢٠] وقوله تعالى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤)
[المطففين: ٢٤] إلى غير ذلك من الإيجاز البالغ، والإطناب كقوله تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى
[محمد: ١٥] وقوله تعالى: فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦)
[الغاشية: ١٠- ١٦] وقوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)
[الواقعة: ١٧- ٢٢] ومن ذلك قوله تعالى: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً (٣٠) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ