غيره، يخرج عنه ما ليس كذلك، فإن حقيقة المبالغة الزيادة لا محالة وقوله وصفا من الأوصاف، عام فى المدح والذم، والحمد، والشكر وسائر الأوصاف التى يمكن فيها الزيادة وقوله إما على جهة الإمكان، أو التعذر، أو الاستحالة، يشمل أنواع المبالغة، لأن ما ذكرناه يقال له مبالغة إذا كان يصح وقوعه، أو يكون متعذرا مع إمكانه، أو مستحيلا لا يمكن وقوعه فكله معدود فى المبالغة، فإذا عرفت هذا فلنذكر مذاهب الناس فيها، ثم نذكر طرقها، ثم نردفه بذكر أنواعها فهذه فوائد ثلاث نفصلها بمعونة الله تعالى.
[الفائدة الأولى فى ذكر مذاهب الناس فيها]
اعلم أن لعلماء البيان فى المبالغة مذاهب ثلاثة فى كيفية مدخلها فى الكلام وإفادتها لما تفيده، وهل تعد من فنون علم البديع أم لا:
[المذهب الأول أنها غير معدودة من محاسن الكلام،]
ولا من جملة فضائله، وحجتهم على هذا هو أن خير الكلام ما خرج مخرج الحق وجاء على منهاج الصدق من غير إفراط ولا تفريط، والمبالغة لا تخلو عن ذلك كما جاء فى أشعار المتأخرين من الإغراق والغلو، وجه آخر وهو أن المبالغة لا يكاد يستعملها إلا من عجز عن استعمال المألوف والاختراع الجارى على الأساليب المعهودة، فلا جرم عمد إلى المبالغة ليسد خلل بلادته بما يظهر فيه من التهويل ولهذا تراها مخرجة للكلام إلى حد الاستحالة، فهذا تقرير كلام من منع المبالغة.
[المذهب الثانى على عكس هذا وهو أن المبالغة من أجل المقاصد فى الفصاحة،]
وأعظمها فى البراعة، ومن أجلها نشأت المحاسن فى المعانى الشعرية، وحجتهم على هذا أن خير الشعر أكذبه، وأفضل الكلام ما بولغ فيه، ولهذا فإنك ترى الكلام إذا خلا عنها وبعد عن استعمالها كان ركيكا نازلا قدره، ومتى خلط بها ظهرت فصاحته وراق رونقه وحسن بهاؤه وبريقه، فهذا تقرير مقالة من قبلها واستعملها.
[المذهب الثالث مذهب من توسط، وهو أن المبالغة فن من فنون الكلام ونوع من محاسنه،]