للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشارة: اعلم أن ما ذكر ابن سراج المالكى فى تعريف الكناية، وإن كان أسلم مما حكاه ابن الأثير، وأدخل فى التحقيق، لكنه لا يخلو عن نظر من وجهين، أما أولا فلأن ما ذكره حاصل فى الاستعارة فى نحو قولك: رأيت الأسد، ولقيت البحر، فإنك تركت التصريح بقولك لقينى الشجاع إلى لفظ الأسد، والكريم إلى لفظ البحر، والكناية مخالفة للاستعارة فى ماهيتها، فلا يخلط أحدهما بالآخر، وأما ثانيا فإن قوله: «إلى مساويه فى اللزوم لينتقل منه إلى الملزوم» إن أراد بالملزوم، المدلول، فذكر المدلول أوضح، فلا حاجة إلى العدول عنه، وإن أراد به معنى آخر غير المدلول فهو خطأ لا فائدة فيه، لأنه لا مشاركة بينهما إلا فى مدلولهما لا غير، ولهذا كان كناية عنه، نعم إنما حمله على هذا هو أنه كان مولعا بممارسة المنطق ومعالجته، فغلبت عليه عباراته، «وما كل آذان تسمع القيل» فإن موضوع علم البيان هو الفصاحة والبلاغة ومعرفة أساليبهما، وهما بمعزل عن علم المنطق، فلا ينبغى أن يمزج أحدهما بالآخر لاختلاف حقائقهما.

[التعريف الرابع حكاه ابن الأثير عن بعض الأصوليين]

ولم أعرف قائله وهو مصدق فيما نقله، قال فى حد الكناية: إنها اللفظ الذى يحتمل الدلالة على المعنى، وعلى خلافه، وهذا فاسد لأمرين، أما أولا فلأن ما قاله يبطل باللفظ المشترك فى نحو قولك: قرء، وشفق، فإن كل واحد منها دال على معنى، وعلى خلافه، وأما ثانيا فلأن ما ذكره يبطل بالحقيقة والمجاز، فإن قولنا: أسد، وبحر، كما يدل على ما وضع له بالحقيقة فهو دال على ما استعمل فيه من المجاز، فيلزم أن يكون ما ذكرناه من الكناية، وهو باطل، فأما ابن الخطيب الرازى فما زاد فى حد الكناية فى كتابه نهاية الإيجاز على أن قال: هى اللفظ الدال على معنى مقصود مع ملاحظة معناه الأصلى. هذا ملخص كلامه، ولم يورده على جهة التحديد، وهذا فاسد بالاستعارة فإنها دالة على معنى مقصود مع ملاحظة معناها الأصلى، فيلزم على ما قاله دخولها فى الكناية، ويبطل أيضا بالحقيقة مع مجازها، فإنه ما من مجاز يدل على معنى إلا وهو دال على حقيقة، وفى هذا دخول أنواع المجاز فى الكناية، وهذا باطل، والعجب من إطلاقه هذا الإطلاق مع إدراكه لصناعة الحدود، وتصّونه عن النقوض، وتبحره فى علم الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>