والإلهاب «إفعال» من قولهم ألهب النار إذا أسعرها حتى التهبت وطال لهبها، والتهييج «تفعيل» من قولهم هاجت الحرب إذا ثارت، هذا معناهما فى اللغة، وأما فى مصطلح علماء البلاغة فهما مقولان على كل كلام دال على الحث على الفعل لمن لا يتصور منه تركه وعلى ترك الفعل لمن لا يتصور منه فعله، ولكن يكون صدور الأمر والنهى ممن هذه حاله على جهة الإلهاب والتهييج له على الفعل أو الكف لا غير، فالأمر مثاله قوله تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢)
[هود: ١١٢] والمعلوم من حاله عليه السلام أنه حاصل على هذه الأمور كلها من عبادة الله تعالى وإقامة وجهه للدين والاستقامة على الدعاء إليه لا يفتر عن ذلك ولا يتصور منه خلافها، لأن خلافها معصوم منه الأنبياء، فلا يمكن تصوره من جهتهم بحال، ولكن ورودها على هذه الأوامر إنما كان على جهة الحث له بهذه الأوامر وأمثالها، وكذلك ورد فى المناهى كقوله تعالى: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥)
[الزمر: ٦٥] وحاشاه أن يكون جاهلا، أو أن يفعل أفعال السفهاء والجهال، وأنى يخطر بباله الشرك بالله وهو أول من دعا إلى عبادته وحث عليها، وهكذا القول فيما كان واردا فى الأوامر والنواهى له عليه السلام، فإنما كان على جهة الإلهاب على فعل الأوامر، والانكفاف عن المناهى والتهييج لداعيته، وحثا له على ذلك، فالأمر فى حقه على تحصيل الفعل، والكف عن المناهى فيما كان يعلم وجوبه عليه ويتحقق الانكفاف عنه، إنما هو على جهة التأكيد والحث بالتهييج والإلهاب، فهذان نوعان من الكلام يردان فى الكلام الفصيح والخطب البالغة، ولولا موقعهما فى البلاغة أحسن موقع، لما وردا فى كتاب الله تعالى الذى أعجز الثقلين الإتيان بمثله أو بأقصر سورة من سوره.