فمن ذلك ما روى عن عمرو بن العاص أنه لما زوج ولده عبد الله بن عمرو بن العاص، امرأة فمكثت عنده ثلاث ليال، لم يدن منها، وإنما كان ملتفتا إلى صلاته، فدخل عليه عمرو بعد ثلاث فقال لها: كيف ترين بعلك، فقالت: نعم البعل هو، إلا أنه لم يغش لنا كنفا، ولا قرب لنا مضجعا. فقولها «لم يغش لنا كنفا» من الكنايات الغريبة، والكنف هو الستر، والكنف الوعاء، وكلاهما محتمل ههنا، ومن أمثال العرب قولهم:
«إياك وعقيلة الملح» جعلوا هذا كناية عن المرأة الحسناء فى منبت السوء، فإن عقيلة الملح، هى اللؤلؤة تكون فى البحر، فهى حسنة، وموضعها ملح، ومن ذلك قولهم «ليس له جلد النمر، وجلد الأسد» إذا كثرت عداوته، وعظم حقده، واشتد غضبه، ولهذا قال أمير المؤمنين لابن عباس «وقد بلغنى تنمرك على بنى تميم» يشير به إلى ما ذكرناه، ومن هذا قولهم «قلب له ظهر المجن» جعلوه كناية عن أن يبدو له خلاف ما كان يعهده منه، من الألفة والمودة، وقولهم «فلان ورمت أنفه علينا» إذا كان مغتاظا يظهر الحنق والغضب، ومن هذا قولهم «الآن حمى الوطيس» جعلوه كناية عن شدة الحرب والتحامها، أخذ لها من حر النار، والوطيس التنور، وقد قيل:«إن أول من تكلم بهذا المثل رسول صلّى الله عليه وسلّم فى حنين» لما رأى جلادهم بالسيف بعد الهزيمة للمسلمين، قال ذلك، فإن صح هذا كان الأحسن إيراده فى قسم كنايات الأخبار، ومن ذلك ما ورد عنهم من قولهم «التفت حلقتا البطان» وهذا مثل جعلوه كناية عند شدة الأمر، وازدحام العظائم فى الحروب وغيرها، ومن ذلك ما روى أن امرأة جاءت إلى عائشة رضى الله عنها، فقالت: أقيد جملى؟ فقالت لها عائشة «لا» وأرادت المرأة أنها تصنع بزوجها شيئا يمنعه عن غيرها، أى تربطه أن يأتى سواها، فظاهر هذا اللفظ يفيد تقييد الجمل، وباطنه أنها جعلته كناية عما ذكرناه، ومن هذا ما يحكى عن عبد الله بن سلام أنه أتاه رجل عليه ثوب معصفر فقال له: لو أن ثوبك