لتقييد الفعل، والانتصاب عنه، أو نقول: ليس واردا على جهة التحية، وإنما هو تعرض للمصالحة والمسالمة، وقد نبه على هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: اقرأوا. قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ
[الذاريات: ٢٥] ومن ثم قال أهل التحقيق من علماء البيان: إن سلام إبراهيم أبلغ من سلام الملائكة. يشيرون به إلى ما ذكرناه.
التقرير الثانى [المعرفة]
اعلم أن المعارف أجناس مختلفة كما أسلفنا حصرها، لكنا إنما نتعرض للمعرفة باللام، لاختلاف المعانى بها، فقد تكون واردة فى المبتدأ، وقد تكون واردة فى الخبر، فهاتان حالتان؛ الحالة الأولى: أن تكون واردة فى المبتدأ، ودخولها فيه يكون على أوجه أربعة، أولها أن تكون داخلة لإفادة تعريف الجنسية الحاصلة فى الذهن، ومثاله قولنا: أهلك الناس الدينار والدرهم، والرجل خير من المرأة، إلى غير ذلك من الحقائق الذهنية، وهكذا قولنا: أكلت الجبن، وشربت الماء، ودخلت السوق؛ لأنه ليس الغرض الاستغراق ولا المقصود بذاك عهدية سابقة، وإنما الغرض ما قلناه من ٧ فادة التعريف للحقائق الذهنية التى لا وجود لها فى الخارج، نعم إذا وجدنا صورة مفردة فى الخارج، فهل تكون الحقيقة الذهنية حاصلة فى الخارج، أم لا، فيه مذهبان؛ أحدهما أنها غير موجودة، بل يستحيل وجودها فى الخارج، وهذا هو المحكى عن، «أرسطو» ، وثانيهما أنها موجودة عند وجود المفردة، وهذا هو المحكى عن «أفلاطون» ، والمختار ما قاله «أرسطو» ، وهو بحث كلامى، وقد ذكرناه فى الكتب العقلية.
وثانيها أن تكون داخلة لإفادة تعريف العهدية، وهذا كقولك: لبست الثوب، وأخذت الدراهم، لثوب ودراهم معهودين بينك وبين مخاطبك، وما هذا حاله لا يدل التعريف إلا على صورة واحدة من غير زيادة، وثالثها أن تكون دالة على الاستغراق، وهذا كقوله: جاءنى الرجال، وقد ترد فى الجمع الحقيقى إما سالما كقولك: المؤمنون، والزيدون، وإما مكسرا كقولك: الرجال، والدراهم، وإما أسماء جمع كقولك: الناس،