جزع، لأوهم أنه لا يطمع فيه لقلة ذات يده ولا يرهب منه لعجزه، فلما قال وإن كنت لذى الرغبة مطلبا لذى الرهبة مهربا، أكمله ورفع الاحتمال الذى ذكرناه، والتفرقة بين الإكمال والتتميم ظاهرة مع كونهما مشتركين فى أنهما إنما زيدا من أجل رفع الوهم عن تخيل ما يحط من المدح ويسقطه، وحاصلها من جهة اللفظ ومن جهة المعنى، أما من جهة اللفظ فهو أن التتميم إنما يقال فى شىء نقص ثم تمم بغيره، بخلاف الإكمال فإنه تام لم ينقص منه شىء، خلا أنه أكمل بغيره، فصار الأول بالزيادة تاما، وصار الثانى بالزيادة كاملا، وأما من جهة المعنى فهو أن التتميم إنما يذكر من أجل رفع احتمال متوهم، فلهذا افترقا، فالإتمام يرفع الخطأ مما ليس ذما، والإكمال يرفع الذم المتوهم إذا لم يذكر، فهذا تقرير ما يمكن من التفرقة بينهما، ومن عرف أمثلتهما تحقق ما ذكرناه.
[الصنف الثالث عشر فى التذييل]
وهو تفعيل من قولهم ذيّل كلامه إذا عقّبه بكلام بعد كمال غرضه منه، فأما معناه فى اصطلاح علماء البلاغة فهو عبارة عن الإتيان بجملة مستقلة بعد إتمام الكلام لإفادة التوكيد وتقرير لحقيقة الكلام، وذلك التحقيق قد يكون لمنطوق الكلام، وتارة يكون لمفهومه فهذان وجهان، الوجه الأول أن يكون سوقه من أجل تأكيد منطوق الكلام، ومثاله قوله تعالى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١٧)
[سبأ: ١٧] لأن حاصل قوله تعالى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا
ظاهره وصريحه يدلان على أن الوجه فى استحقاقهم لما استحقوه من نزول العذاب، إنما كان من أجل كفرهم لأن قوله: بِما كَفَرُوا
تعليل للجزاء من أجل الكفر، فقوله بعده وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١٧)
تقرير وتأكيد لما سبق من الجملة الأولى وتحقيق لها، لأنه دال عليها ومحقق لفائدتها وهكذا قوله تعالى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ
[الأنبياء: ٣٤- ٣٥] فلما قال وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ
ذيلها بتذييلين، كل واحد منهما محقق لفائدتها ودال على مضمونها، الأول منهما قوله: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤)
فهذا الاستفهام وارد على جهة الإنكار عليهم فى زعمهم الخلود، وأراد أنه لا تتصور أن تكون أنت ميتا، وهم خالدون بعدك فإذا كان لا خلود لك مع ما اختصصت به من المكانة والزلفة عند الله تعالى فهم أحق بالانقطاع والزوال لا محالة، والثانى قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ
فهذا أيضا توكيد لقوله: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ
لأن هذا العموم قاطع لكل ظن ويأس عن كل أمر يطمع بالخلود، ومن الأمثلة فى ذلك ما قاله بعض الشعراء فى ممدوحه: