اعلم أن المعرفة ما دلت على شىء بعينه، والنكرة ما دلت على شىء لا بعينه، ولا يجوز تعريف حقيقة المعرفة بأمر لفظى لأمرين؛ أما أولا فلأن المقصود بيان الماهية، وهذا لا يحصل إلا بالأمور المعنوية دون اللفظية، وأما ثانيا فلأن بعض المعارف يكون فى معنى النكرة كقولنا: ضاربك، وأرسلها العراك، والجماء الغفير، ثم إن المعارف خمس؛ المضمرات، والأعلام، وأسماء الإشارة، ثم المعرف باللام، ثم المضاف إلى واحد من هذه إضافة معنوية، لا لفظية، وهى متفاوتة فى التعريف، فأعرفها المضمرات، ثم العلم، على الترتيب الذى أسلفناه على اختلاف فى ذلك بين النحاة، مذكور فى موضعه، وكما كانت المعارف متفاوتة فى مراتب التعريف، فكذا حال النكرات، فكل نكرة هى أعم من غيرها فهى أبهم، وجملتها شىء، ثم جسم، ثم حيوان، ثم إنسان، ثم رجل، فكل واحدة من هذه النكرات هى أدخل فى الإبهام، والتنكير، مما بعدها كما تراه فى صورها، فقولنا:
شىء، أعم من قولنا: موجود؛ لأن قولنا شىء، مندرج تحته الموجود والمعدوم، وهل يطلق قولنا: شىء، على المعدوم حقيقة أو مجازا؟ فيه خلاف بين المتكلمين، فمن قال منهم إن المعدوم ذات فى حال عدمه كان إطلاقه عليه حقيقة، ومن قال منهم ليس ذاتا فى حال عدمه، وإنما هو نفى صرف كان إطلاقه عليه بطريق المجاز، وقد قررنا ما هو الحق فى هذه المسألة فى الكتب العقلية، فإذا عرفت هذا فاعلم أن المعرفة، والنكرة يتعلق بكل واحد منهما معان دقيقة متعلقة بأسرار البلاغة، فلا جرم أوردناها فى هذا الفصل، وفيه تقريران:
التقرير الأول فى [النكرة] ، ولها أحكام:
[الحكم الأول: النكرة إذا أطلقت]
فى نحو قولك: رجل، وفرس، وأسد، ففيها دلالة على أمرين، الوحدة، والجنسية، فالقصد يكون متعلقا بأحدهما، ويجىء الآخر على جهة التبعية، فأنت إذا قلت: أرجل فى الدار أم امرأة، حصل بيان الجنسية، والوحدة جاءت تابعة غير مقصودة، وإذا قلت: أرجل عندك أم رجلان، فالغرض ههنا الوحدة، دون الجنسية.