مدح لا محالة، وهكذا قوله «وفيهم عن مساويهم فتور» لأن الفتور هو الضعف والعجز وهما ذمان، خلا أنه اقترن بقوله «بهم حدب الكرام على المعالى» فصيره مدحا لأن الإنسان إذا كان عظيم الولوع بالخصال السامية والمراتب العالية وكان ضعيفا متكاسلا عن المساوى ففيه نهاية المدح وهكذا قوله «يؤم كبيرهم فيها الصغير» فإنه يكون ذما لأنه لا خير فى الكبير إذا كان مقتديا بالصغير، وإنما المدح هو عكسه لكنه لما اقترن بقوله «خلائق بعضهم فيها كبعض» أفهم أن الصغير والكبير فيهم سواء فى فعل المعروف والإحسان، وهكذا قوله:«عن النكراء كلهم غبى وبالمعروف كلهم بصير» فإن الغباوة صفة ذم، خلا أنه لما اقترن به قوله:«وبالمعروف كلهم بصير» كان دليلا على المدح فهذا ما يحتمله هذا الضرب.
الضرب الثانى أن يكون راجعا الى الألفاظ
وهو أن تأتى بجمل مقطعة، وهذا كقول من قال يصف السحاب «١» :
تسربل وشيا من حرير تطرّزت ... مطارفها لمعا من البرق كالتبر
فوشى بلا رقم ونقش بلا يد ... ودمع بلا عين وضحك بلا ثغر
فهذا وأمثاله يعد فى التفويف لما جاء مقطعا على أوزانه فى العروض.
[الصنف الثانى التنبيه]
وحاصله أن تطلق كلاما ثم تردفه بما يؤيده ويقرر معناه، ومثاله قول من قال:
هو الذئب أو للذئب أوفى أمانة ... وما منهما إلّا أذلّ خؤون
فأطلق قوله هو الذئب للإخبار عنه بالغدر والمكر، ثم أردفه بقوله «أو للذئب أوفى أمانة» تنبيها على قول من يقول وأى أمانة للذئب، فقال مستدركا مقررا للمعنى «وما منهما إلا أذل خؤون» فالتنبيه إنما كان بقوله «أو للذئب أوفى أمانة» ليستدعى قوله «وما منهما إلا أذل خؤون» ومنه قول الآخر:
وقد أعددت للحدثان حصنا ... لو انّ المرء تنفعه العقول
فقوله «أعددت للحدثان حصنا» تنبيه على قول قائل: وهل يمنع من الحدثان حصن؟
فتلافاه بقوله «لو أن المرء تنفعه العقول» وقال بعض الشعراء: