لا بالحقيقة ولا بالمجاز، فإذن لا معنى لكلامه. والذى غره من هذا ما قرع سمعه وخرق قرطاس عقله من لقب المفهوم فى لسان الأصوليين، فظن لخفة وطأته فى المباحث الأصولية أن دلالة المفهوم من جهة القرينة، وليس الأمر كما ظنه، وإنما دلالة المفهوم لغوية، مخالفة كانت أو موافقة، والتعريض بمعزل عن ذلك لما أوضحناه.
[التعريف الثانى]
أن يقال فيه: هو المعنى الحاصل عند اللفظ لا به، فقولنا:«الحاصل عند اللفظ» عام يدخل تحته لفظ الحقيقة، وما يندرج تحتها من النص والظاهر، ولفظ المجاز، وما يندرج تحته من الاستعارة والكناية، وقوله:«لا به» يخرج منه جميع ما ذكرناه، لأن الحقيقة وما يندرج تحتها، والمجاز وما يندرج تحته، كلها مستوية فى دلالة اللفظ عليها، وأنها حاصلة عند اللفظ، ويدخل تحته التعريض فإنه حاصل بغير اللفظ، وهو القرينة كما مر بيانه، وإن شئت قلت فى حده: هو المعنى المدلول عليه بالقرينة دون اللفظ، لأن التعريض إنما حصل معقوله بالقرينة دون دلالة اللفظ، فينحل من مجموع ما ذكرناه أن دلالة اللفظ على ما يدل عليه من المعانى على ثلاث مراتب.
(المرتبة الأولى) أن يكون ذلك حاصلا من جهة ملفوظه، وما هذا حاله يندرج تحته النصوص والظواهر، والألفاظ المؤولة، والحقائق المشتركة، وغير ذلك من الحقائق اللفظية.
(المرتبة الثانية) أن يكون ذلك المعنى حاصلا من جهة المفهوم، ثم ينقسم إلى مفهوم الموافقة، وإلى مفهوم المخالفة، فما وافق اللفظ فى دلالته على ما يدل، فهو الموافق، وهذا كقول صاحب الشريعة صلوات الله عليه «إذا وقع الحيوان فى السمن أريق المائع وقوّر ما حوالى الجامد» فإن العسل وسائر المائعات مثله، وما خالف اللفظ فى دلالته فهو المخالف كقوله عليه السلام «فى سائمة الغنم زكاة» فمفهومه أن لا زكاة فى المعلوفة.
والمفهوم على درجات مختلفة وأحوال متفاوتة فى الجلاء والظهور، والخفاء، قد استوفينا ذكرها فى الكتب الأصولية.