[سبأ: ٢٤] فانظر إلى براعة هذا المعنى المقصود وجزالة هذا الانتظام بمخالفة موقعى هذين الحرفين، فإنه إنما خولف بينهما فى التلبس بالحق والباطل، والدخول فيهما، وذلك من جهة أن صاحب الحق كأنه لمزيد قوة أمره، وظهور حجته، وفرط استظهاره راكب لجواد يصرفه كيف شاء، ويركضه حيث أراد، فلأجل هذا جعل ما يختص به معدى بحرف «على» الدال على الاستعلاء، بخلاف صاحب الباطل فإنه لفشله، وفرط قلقه، وضعف حاله، كأنه ينغمس فى ظلام، وموضع سافل لا يدرى أين يتوجه ولا كيف يفعل، فلهذا كان الفعل المتعلق بصاحبه معدى بحرف الوعاء، إشارة إلى ما ذكرناه، ويؤيد هذا ما ذكره الله تعالى فى سورة يوسف حيث قال: قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥)
[التوبة: ٦٠] فهذه أصناف ثمانية، جعل الله الصدقات مصروفة فيهم لكونهم أهلا لها ومستحقين لصرفها، لكن الله تعالى خص المصارف الأربعة الأول باللام، دلالة على الملك والأهلية للاستحقاق، وعدل عن اللام إلى حرف الوعاء فى الأصناف الأربعة الأخر، وما ذاك إلا للإيذان بأن أقدامهم أرسخ فى الاستحقاق للصداقة، وأعظم حاجة فى الافتقار من حيث كانت دالة على الوعاء، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات كما يوضع الشىء فى الوعاء وأن يجعلوا مظنة لها، وذلك لما فى فك الرقاب وفى الغرم من الخلاص عن الرق والدّين اللذين يشتملان على النقص، وشغل القلب، بالعبودية، والغرم، ثم تكرير الحرف فى قوله: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ
قرينة مرجحة له على الرقاب والغارمين، وكان سياق الكلام يقتضى أن يقال: وفى الرقاب والغارمين وسبيل الله وابن السبيل. فلما جىء ب «فى» مرة ثانية وفصل بها سبيل