للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعلم أن مدار الإيجاز على الحذف؛ لأن موضوعه على الاختصار، وذلك إنما يكون بحذف ما لا يخل بالمعنى، ولا ينقص من البلاغة، بل أقول: لو ظهر المحذوف لنزل قدر الكلام عن علو بلاغته، ولصار إلى شىء مسترك مسترذل، ولكان مبطلا لما يظهر على الكلام من الطلاوة والحسن والرقة، ولابد من الدلالة على ذلك المحذوف، فإن لم يكن هناك دلالة عليه فإنه يكون لغوا من الحديث، ولا يجوز الاعتماد عليه، ولا يحكم عليه بكونه محذوفا بحال، ويظهر المحذوف من جهتين؛ إحداهما من جهة الإعراب على معنى أن الدال على المحذوف هو من طريق الإعراب، وهذا كقولك: أهلا وسهلا، فإنه لابد لهما من ناصب ينصبهما يكون محذوفا لأنهما مفعولان فى المعنى، وثانيهما لا من جهة الإعراب، وهذا كقولنا: فلان يعطى ويمنع، ويصل ويقطع، فإن تقدير المحذوف لا يظهر من جهة إعرابه، وإنما يكون ظاهرا من جهة المعنى؛ لأن معناه فلان يعطى المال، ويمنع الذمار، ويصل الأرحام، ويقطع الأمور برأيه ويفصلها، ثم الإيجاز تارة يكون بحذف الجمل، ومرة بكون بحذف المفردات، وأخرى من غير حذف، فهذه ثلاثة أقسام يندرج تحتها جميع ما نريده من أسرار الإيجاز:

القسم الأول فى بيان [الإيجاز بحذف الجمل]

اعلم أن حذف الجمل له فى البلاغة مدخل عظيم، وأكثر ما يرد فى كتاب الله تعالى، وما ذاك إلا من أجل رسوخ قدمه، وظهور أثره، واشتهار علمه، ويرد على ضروب أربعة:

الضرب الأول: منها [حذف الأسئلة المقدّرة]

، ويلقب فى علوم البيان بالاستئناف، ثم هو يجرى على وجهين:

[الوجه الأول: أن يكون استئنافا بإعادة الصفات المتقدمة]

، ومثاله قوله تعالى فى صدر سورة البقرة: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ

[البقرة: ٢- ٣] إلى قوله: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ

[البقرة: ٥] لأنه لما عدد صفات المتقين بالإيمان بالغيب، وبإقامة الصلاة، وبالإنفاق، إلى آخر ما قرره من صفاتهم الحسنة، اتّجه لسائل أن يسأل بأن هؤلاء قد اختصوا بهذه الصفات، فهل يختصون بغيرها، فأجيب عنه بأن الموصوفين بما تقدم من

<<  <  ج: ص:  >  >>