[تتمة فن الثانى من علوم هذا الكتاب وهو فن المقاصد اللائقة]
[تتمة باب الاول في كيفية استعمال المجاز وذكر مواقعه في البلاغة]
[القاعدة الرابعة من قواعد المجاز فى ذكر أسرار ومعناه]
اعلم أن علماء البيان وفرسان البلاغة بالإضافة إلى ترجمة هذه القاعدة فريقان:
الفريق الأول: أدرجوها فى ضمن قاعدة التشبيه، ولم يفصّلوا بينهما تفصيلا وهذا هو الظاهر من كلام المطرزىّ، فأما ابن الأثير فقد صرّح بكونهما بابا واحدا لا تفرقة بينهما وتعجّب ممن فصّل بينهما، قال: وما أعلم كيف خفى على أولئك العلماء مع ظهوره ووضوحه.
وحكى أن بعض علماء البيان قد فصّل بينهما وغاير بين حقيقتيهما وهما عنده شىء واحد.
الفريق الثانى: وهم الذين فرّقوا بينهما، وهذا هو ظاهر كلام ابن الخطيب الرازى فى نهاية الإيجاز، وعبد الكريم صاحب التبيان، فإنهم ميّزوا أحدهما عن الآخر وفرقوا بينهما، وقالوا: إنّ التشبيه غير معدود من المجاز، بخلاف التمثيل، فإنه معدود من جملة قواعده، وإن كانا كلاهما معدودا من أودية البلاغة، فهذا مغزى كلام الفريقين فى الرّدّ والقبول.
وهذا الخلاف يقرب أن يكون لفظيا، وليس وراءه كبير فائدة، والمختار عندنا تفصيل نشير إليه، وحاصله أنا نقول: القاعدة التى رسمناها من أجل التشبيه، إنما كانت بمظهر الأداة، كما أوردنا أمثلته، وفصلناها وعددنا ما كان من التشبيه مضمر الأداة، فهو من باب الاستعارة، وأوضحنا الأمر فيما يظهر على القرب فيه التشبيه، وما يستنبط على البعد فأغنى عن تكريره، فإذا عرفت هذا فاعلم أن كلّ ما كان من التمثيل تظهر فيه أداة التشبيه، كالكاف، وكأن، فإنه معدود من جملة التشبيه، ولا يفترقان بحال؛ لأن التشبيه أكثر ما يطلق على ما كانت الأداة فيه ظاهرة، فأمّا ما كانت الأداة فيه غير ظاهرة، فهو التمثيل، فإنه لا يقال له تمثيل إلّا إذا كان واردا على حدّ الاستعارة، ولهذا فإنّ الزمخشرىّ رحمه الله فى تفسير قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ
[البقرة: ٧] الآية، تارة يجعله من باب التمثيل، وتارة يجعله واردا على حدّ الاستعارة، وعلى الجملة فالأمر فيه قريب، فإن الاستعارة، والتمثيل، والكناية، كلّه معدود من أودية