فالبيت الأول دال على التوجيه بمعنى أنه يحتمل أن يريد مدحه وأن يريد ذمه لأنه صرح بأن فيه الخير والشر، وفيه الحلم والجهل، فيحتمل أن يكون المراد مدحه، ويحتمل أن يريد ذمه، فإذا قال بعد ذلك فى البيت الثانى إنه برىء عن مكروهها، ومنزه عنه، وأنه فى محبوبها له الزيادة على غيره فى الصفات المحمودة، أزال ما يحتمله الأول من الذم، وأزال توجيهه الذى يحتمله. الوجه الثانى أن يكون الذى يؤتى به من الكلام موضحا لحكم خفى ومثاله ما يقوله بعض الشعراء:
ومقرطق يغنى النديم بوجهه ... عن كأسه المملى وعن إبريقه
فعل المدام ولونها ومذاقها ... فى مقلتيه ووجنتيه وريقه «١»
فالبيت الأول حكمه خفى لإيراد القصد فيه، لأنه لم يفصح بمقصوده عن كون النديم يغنى بوجهه، وما الذى أغناه عن حمل الكأس والإبريق، فلما قال فى البيت الثانى:
فعل المدام ولونها ومذاقها ... فى مقلتيه ووجنتيه وريقه
وأراد أن المقلتين يسكران من نظر إليهما ويخجلانه كما تسكر الخمر العقول وتحيرها وتدهشها وحمرة المدام تشبهها حمرة خديه، ومذاق المدام يشبه ريقه، صار البيت موضحا لهذه الأمور الثلاثة مبينا لها ولحكمها، والمقرطق بالقافين، لابس القباء، والمقرطف. بقاف وفاء هو اللابس لثوب له خمل والله أعلم.
[الصنف العاشر التتميم]
وهو تفعيل من قولهم تممه إذا أكمله، وهو فى مصطلح علماء البيان عبارة عن تقييد الكلام بفضلة لقصد المبالغة، أو للصيانة عن احتمال الخطأ، أو لتقويم الوزن، فهذا تقرير معناه فى مراد علماء البلاغة، ثم يرد على أوجه ثلاثة، إما للمبالغة، وإما للصيانة، وإما لإقامة الزنة على حد ما ذكرناه فى شرح ماهيته، أولها أن يكون واردا على جهة المبالغة بأن تكون الفائدة فى تلك الفضلة إنما هى المبالغة لا غير، ومثاله قول زهير:
من يلق يوما على علّاته هرما ... يلق السّماحة منه والنّدى خلقا «٢»