[الطرف الأول فى بيان ما يتعلق بالفصاحة اللفظية]
اعلم أنا إنما جعلنا هذا الطرف متعلقه الفصاحة اللفظية، لما كان أمره وشأنه متعلقا بالألفاظ ومشاكلة الكلم وازدواج الألفاظ، فلأجل هذا جعلناه متعلقا باللفظ، وجملة ما نذكر من ذلك ضروب عشرة.
[الضرب الأول منها التجنيس]
وهو على تنوعه عبارة عن اتفاق اللفظين فى وجه من الوجوه مع اختلاف معانيهما، وهو عظيم الموقع فى البلاغة، جليل القدر فى الفصاحة، ولولا ذلك لما أنزل الله كتابه المجيد على هذا الأسلوب، واختاره له كغيره من سائر أساليب الفصاحة، ثم ينقسم إلى كامل، وإلى ناقص، فالكامل هو أن تتفق الكلمتان فى الوزن، والحركات والسكنات، ويقع الاختلاف فى المعانى، ولم يقع فى كتاب الله تعالى تجنيس كامل إلا فى قوله تعالى:
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ
[الروم: ٥٥] وأما الناقص فأبنيته كثيرة ومضطرباته واسعة، فمنه التجنيس الناقص، وهو أن تكون إحدى الكلمتين مشتملة على لفظ الأخرى مع زيادة، ومثاله قوله تعالى: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠)
[القيامة: ٢٩- ٣٠] فزيادة الميم فى المساق هو الذى أوجب كونه جناسا ناقصا، وهذا يقال له «المذيّل» أيضا، ومنه «المصحّف» وهو أن تتفق الكلمتان خطا لا لفظا، ومثاله قوله تعالى وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤)
[الكهف: ١٠٤] ومنه «المضارع» وهو أن تتفق الكلمتان فى حرف واحد، سواء وقع أولا أو آخرا أو وسطا، ومثاله قوله تعالى وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ
[النساء: ٨٣] فقد اتفق الأمر والأمن، فى الهمزة والميم، ومنه «المتوازن» وهو أن تتفق الكلمتان فى الوزن ويختلفا فيما عداه، ومثاله قوله تعالى: وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦)
[الغاشية: ١٥- ١٦] ومنه «المعكوس» ومثاله قوله تعالى: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)
[يس: ٤٠] ومعنى العكس فى هذا أنه يقرأ من آخره كما يقرأ من أوله ونحو قوله تعالى: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)
[المدثر: ٣] وقد يجىء العكس على غير هذا فى الكلم فى مثل قولهم: «عادات السادات سادات العادات» ومنه «الاشتقاقى» وهو أن تتفق الكلمتان