للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصنف الحادى عشر الاستيعاب]

وهو استفعال من قولهم: استوعبت ما فى القدح من اللبن شربا، إذا أتيت عليه. وهو فى لسان أهل البلاغة عبارة عن أن يتعلق بالكلام معنى له أقسام متعددة فيستوعبها فى الذكر ويأتى عليها، ومثاله قول عمر بن أبى ربيعة:

تهيم إلى نعم فلا الشمل جامع ... ولا الحبل موصول ولا أنت تقصر

ولا قرب نعم إن دنت لك نافع ... ولا نأيها يسلى ولا أنت تصبر «١»

فانظر إلى استيعابه جميع متعلقات قوله «تهيم بحيث لو عددها بحرف العطف لكان ذلك صحيحا جامعا، وقد جاء فى القرآن ما هذا حاله كقوله تعالى: يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً

[الشورى: ٤٩] فهذا التقسيم حاصر لا مزيد على حصره مع ما فيه من البلاغة التى ليس وراءها غاية، لأنه فى معنى، الناس على طبقاتهم واختلاف أحوالهم على أربعة أصناف، فمنهم من له بنات لا غير، ومنهم من له بنون، ومنهم ذو بنات وبنين، ومنهم من هو عقيم لا ولد له من ابن ولا بنت فهذه الآية مستوعبة لما ذكرناه، وكقول بشار:

فراح فريق فى الأسارى ومثله ... قتيل وقسم لاذ بالبحر هاربه «٢»

فاستوعب أنواع التنكيل وتفريق الشمل، كأنه قال صاروا بين أسير ومقتول وهارب فى البحار لعله ينجو، وكما فعله عمرو بن الأهتم بهذيل فى قوله:

اشربا لا شربتما فهذيل ... من قتيل وهارب وأسير «٣»

فاستوعب ما وقعوا فيه من أنواع العذاب بالقتل والأسر والتطريد، وكما قال بعض أهل الحماسة:

فهبها كشىء لم يكن أو كنازح ... به الدّار أو من غيّبته المقابر «٤»

فجمع فى ذلك بين أنواع العدم حتى استوعبها، وكما قال نصيب:

فقال فريق القوم لمّا سألتهم ... نعم وفريق أيمن الله ما ندرى «٥»

<<  <  ج: ص:  >  >>