نقيضهما من السفيه الغوى وقوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ
[آل عمران: ٢١] بدل قوله أنذرهم، لأن البشارة إنما تستعمل فى الأمور المحمودة، والمراد ههنا العذاب والويل ومنه قوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣)
[الصافات: ٢٣] . والتهكم فى اللغة عبارة عن شدة الغضب على المتهكم به، لما فيه من إسقاط أمره وحط منزلته وحاله، واشتقاقه من: تهكمت البئر، إذا سقط طيها. وهو كثير التدوار فى كتاب الله تعالى خاصة عند عروض ذكر الكفار وأهل الشرك والنفاق كقوله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ
[الزخرف: ٥٥] وغير ذلك من الآيات الوعيدية، والخطابات الزجرية الدالة على مزيد الغضب وبالغ الانتقام. اللهم أجرنا من التعرض لسخطك، وعظيم غضبك، يا خير مستجار به، وأكرم من يلاذ برحمته.
[البحث الرابع فى أحكام الاستعارة]
اعلم أنا قد ذكرنا ما يتعلق بحقائق الاستعارة، والذى بقى علينا هو ذكر أحكامها الخاصة غير ما أسلفناه من قبل، وجملتها سبعة.
[الحكم الأول هل المستعار هو اللفظ، أو المعنى؟]
زعم زاعمون أن المستعار هو اللفظ، والذى عليه أهل التحقيق أن الاستعارة إنما تكون متعلقة بالمعنى، وهذا هو المختار، ويدل على ذلك أوجه ثلاثة، أما أولها فلأن الإجماع منعقد من جهة علماء الأدب وأرباب هذه الصناعة على أن الاستعارة أبلغ من الحقيقة وأن قولنا: زيد أسد، فى المبالغة فى وصف الشجاعة أعظم من قولنا: زيد يشبه الأسد، فى شجاعته، فلو لم تكن هناك استعارة لفظ الأسد ونقله، لم تكن هناك مبالغة لأنه لا مبالغة فى نقل العبارة خالية من معناها وعرية عنه، وأما ثانيا فلأن القائل إذا قال: رأيت أسدا، ولقينى أسد، فالسابق من هذا الكلام هو أنه صوره بحقيقة الأسد مبالغة فى شجاعته، وزيادة فى جراءته، وليس ذلك إلا لأجل ما كان من المقصود من إثبات حقيقة الشجاعة ومعقولها، ولو كان ذلك من أجل استعارة اللفظ لم يكن هذا الإطلاق، لأنه لا يقال لمن سمى إنسانا باسم الأسد، أنه صيره أسدا، وجعله