فهذا كالأول فى التكرير، خلا أن هذا ليس فى الكراهة كالوجه الأول فى الثقل، وما ذاك إلا من أجل توسط الواو فأكسبته خفة ورقة، لا يقال فلو كان هذا مكروها لم يرد فى كتاب الله تعالى: وقد ورد كقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ
[التوبة: ٥] لأنا نقول هذا فاسد فإنه لم يتكرر مع الواو إلا قوله: وخذوهم واحصروهم، فأما الجملة الأولى فهى مغايرة لتعلقها بقوله حيث وجدتموهم، وهكذا حال الرابعة، فإنها متعلقة بغيرها فلم يبق إلا قوله: وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ
وقد تضمنا الواو، وفيهما من حسن السبك وجودة التأليف وخفته على الآذان ما لا يخفى، فأين هذا من ذاك.
[الضرب الرابع فى بيان المعاظلة بالصفات المتعددة]
ومثاله قوله أبى الطيب المتنبى «١» :
دان بعيد مبغض بهج ... أغرّ حلو ممرّ ليّن شرس
ند أبى غر واف أخى ثقة ... جعد سرىّ نه ندب رضى ندس
ومن هذا قول أبى تمام يصف رمحا «٢» :
مارنه لدنه مثقفه ... عراصه فى الأكف مطّرده
وقال أيضا يصف سحابة:
مسفّة ثرّة مسحسحة ... وابلة مخضلّة برده
فلما حصلت هذه الأوصاف على هذه الصفة ثقلت على الألسنة ومجتها الآذان، وصارت بمنزلة سلسلة بلا شك، وقطع فضة أو ذهب مبددة من غير سبك، وليس يخفى على من له أدنى ذوق مخالفة هذا لقوله تعالى: السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
[الحشر: ٢٣] ، مع كونها أوصافا متعددة من غير واو، لكن بينها بعد لا يدرك أمده، ولا ينال حصره ولا عدده، فى حسن التأليف وجودة السبك ولذة المسموع وسهولة الأسلوب.