للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النوع الخامس الاستعارات الشعرية،]

من ذلك ما قاله أبو الطيب المتنبى:

فما تركن بها خلدا له بصر ... تحت التراب ولا بازا له قدم

ولا هزبرا له من درعه لبد ... ولا مهاة لها من شبهها حشم

وهذا من بديع الاستعارة وغريبها واستعار الخلد لمن كان مختفيا تحت التراب خائفا، والباز استعاره لمن طار هاربا، والهزبر، والمهاة استعارتان للرجال المقاتلة، وللنساء من السبايا، وهذه مبالغة فى شدة الوقعة والهزيمة، ومن ذلك ما ورد عن بعض الشعراء فى صفة السيف فقال:

حملت حمائله القديمة بقلة ... من عهد عاد غضة لم تذبل

وقال المتنبى أيضا:

فى الخد إن عزم الخليط رحيلا ... مطر تزيد به الخدود محولا

فالبقلة استعارة للسيف، والمطر جعله استعارة للدمع، ومن ذلك ما قاله الشريف الرضى:

إذا أنت أفنيت العرانين والذرى ... رمتك الليالى من يد الخامل الذكر

وهبك اتقيت السهم من حيث يتقى ... فمن ليد ترميك من حيث لا تدرى

فالعرانين والذرى، استعارة لعظماء الناس وأشرافهم، ومن ذلك ما ورد عن امرىء القيس فى صفة الليل الطويل:

فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل

فلما جعل لليل وسطا ممتدا، استعار له اسم الصلب، وجعله متمطيا، استعارة لطوله، واستعار الأعجاز لثقله وبطائه، واستعار الكلكل لمعظم الليل ووسطه، أخذا له من كلكل البعير، وهو ما يعتمد عليه إذا برك. فصور الليل على صورة البعير، حيث جعل له صلبا يتمطى به أولا، وثنى بذكر العجز، وثلث بالكلكل حتى يكاد أن يخيل أنه كصورة البعير، وهو من بليغ الاستعارة ومحاسنها ومن ذلك ما قاله بعضهم.

نبل حباها من رؤوس بنانه ... ريشا ومن حلل المداد نصولا

ففرت شواكل كل أمر مشكل ... ورددن كل مفضل مفضولا

وترى الصحيفة حلبة وجيادها ... أقلامه وصريرهن صهيلا

<<  <  ج: ص:  >  >>