طريق الاستعارة قلت رأيت أسدا، وإن أردت طريقة التشبيه فإنك تقول زيد كالأسد، وإن جئت بطريق الكناية قلت فلان يكفل الأبطال برمحه، وإن أردت أن تصفه بالكرم، قلت رأيت بحرا على جهة الاستعارة، وهو كالبحر بطريق التشبيه، أو فلان تتراكم أمواجه، بجعله كناية عن جوده وسخائه.
[تنبيه]
إياك أن يعتريك الوهم، أو يستولى على قلبك غفلة، فتظن أنا لما قلنا إن الألفاظ دالة على المعانى فتعتقد من أجل ذلك أن المعانى تابعة للألفاظ، وأنها مؤسسة عليها، فهذا وأمثاله خيال باطل وتوهم فاسد فإن الألفاظ فى أنفسها هى التابعة للمعانى، وأن المعانى هى السابقة بالتقرير والثبوت، والألفاظ تابعة لها، ولنضرب لما ذكرناه مثالا يصدق ما قلنا فى المفردة منها والمركبة فنقول:
أما المفردة فلأنك إذا رأيت سوادا على بعد فظننته حجرا فإنك تسميه حجرا، وإن دنوت منه قليلا وسبق إلى فهمك أنه شجر فإنك تسميه شجرا، فإذا دنوت منه وتحققت حاله رجلا فإنك تسميه رجلا، فاختلاف هذه الأسامى يدل على اختلاف تلك الحقيقة وما يفهم منها من الصور المدركة.
وأما المركبة فلأنك إذا رأيت رجلا من بعيد ولا تدرى حاله أهو قائم أم قاعد أم مضطجع، فإنك إذا دنوت إليه فعلى حسب ما يسبق إلى فهمك من حالته تصفه بتلك الحالة، ولا يزال الوصف يتغير حتى يستقر الوصف على واحد منها، وهذا يدلك على أن الألفاظ تابعة للمعانى المفردة والمركبة كما أشرنا إليه، ولهذا فإنك تطلق العبارات على وفق ما يقع فى نفسك من الحقائق والمعانى من غير مخالفة.
[دقيقة اعلم أن المعانى بالإضافة إلى كيفية حصولها من أهل البلاغة والفصحاء على ثلاث مراتب.]
[المرتبة الأولى أن يكون مقتضيها على جهة الابتداء من نفسه من غير أن يكون مقتديا بمن قبله،]
ويكون ذلك على ما يعرض من مشاهدة الحال، وما يعرض من الأمور الحادثة.