لتكريره، ونحن الآن نذكر كل صورة من صور التشبيه المضمر الأداة، ونردفها بمثالها من المفرد، والمركب، ونطبق أحدهما على الآخر، فيحصل الأمران جميعا فى كل صورة من صوره المذكورة بمعونة الله تعالى.
[الصورة الأولى ما يقع موقع المبتدأ والخبر المفردين]
كقولك: زيد الأسد، والأسد زيد، وزيد أسد، وقد يأتى على جهة الفاعل كقولك: جاءنى الأسد، وكلمنى الأسد، وقد يأتى على جهة المفعول كقولك: رأيت الأسد: ولقيت البحر، فما هذا حاله من الاستعارة التى لا تظهر فيها أداة التشبيه يعرف ببديهة النظر على قرب من غير حاجة إلى تأمل ونظر، ولهذا تقول فيه زيد كالأسد، وكالأسد زيد، ولا تحتاج إلى تكلف وإضمار.
[الصورة الثانية أن يقع المبتدأ ويكون الخبر مضافا إليه،]
مثاله قوله عليه السلام «الكمأة جدرى الأرض» وكقولك: إقدامه إقدام الأسد، وفيضه بجوده فيض البحر، والكمأة ضرب من النبات، إذا أخرج فى الأرض، أفسدها، ونقص زرعها، وهذا هو مراد الرسول بقوله «جدرى الأرض» أراد أنها مفسدة للأرض، كما يفسد الجدرى البدن، وهى نبت يؤكل، وهو بارد مولّد للبلغم، ويقال أكمأت الأرض، إذا أنبتت الكمأة، وتكمأت إذا أكلت الكمأة.
[الصورة الثالثة أن يقع موقع المبتدأ والخبر من جهة تركيبهما جميعا]
فتركب المبتدأ بالإضافة وتركب الخبر مثل ذلك، فتركيب الإضافة حاصل فيهما جميعا، بخلاف الصورة الثانية، فإن التركيب إنما وقع بالإضافة فى الخبر لا غير، ومثال هذا الحديث الوارد عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما رواه ابن عمر رضى الله عنه حين قال له معاذ بن جبل «أنؤاخذ بما نتكلم، فقال: وهل يكب الناس على مناخرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهم»«١» فالتقدير على هذا يكون: كلام الألسنة كحصائد المناجل، وحصد المنجل جزه، والمنجل حديدة حادة يقلم بها البيطار حافر الفرس، فعلى هذا حصيدة اللسان طرفه.