ليكون حاصلا على الكمال ومراعاة المطابقة فى كل الأحوال.
[التخلص الثامن]
هو أنه لما فرغ مما ذكره عاد إلى سؤال المشركين ثانيا عند معاينة الأهوال فى يوم الجزاء بقوله: وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣)
[الشعراء:
٩٢- ٩٣] وإنما أورده على جهة التوبيخ والاستهزاء وأنهم لا ينصرونكم فى دفع السوء عنكم، ولا ينتصرون فى دفع ما يخصهم أنفسهم بحال، ثم وصف حالهم فى النار بقوله «فكبكبوا» أى الآلهة والغاوون، والكبكبة تكرير الكب، لأنه إذا ألقى فى النار فإنه يكب فيها مرة بعد مرة حتى يستقر فى قعرها، فجعل تكرير اللفظ دلالة على تكرير المعنى على جهة المطابقة، اللهم أجرنا من عذابك برحمتك الواسعة.
[التخلص التاسع]
هو أنه لما فرغ من ذلك خرج إلى حكاية ما يقول أهل النار فى النار من الخصومة الناشئة بينهم، وإظهار الحسرة والندامة المفرطة على ما كان منهم من عبادة غير الله ومساواته بمن لا يساويه، وانقطاع ما فى أيديهم من شفاعة شافع أو صداقة صديق كما يكون للمؤمنين، فإن شفعاءهم الملائكة والأنبياء، وأصدقاؤهم هم أهل الإيمان والتقوى، فأما الكفار فلا شىء لهم من ذلك، فعند هذا تعظم الحسرات وتنقطع الأفئدة حسرة وإياسا عن النفع والخلاص عما هم فيه.
[التخلص العاشر]
هو أنه لما فرغ من ذلك خرج إلى ذكر تمنيهم الرجعة إلى الدنيا بقوله «فلو أنّ لنا كرّة» فننزع عما كنا عليه من عبادة غير الله وسلوك طريق التقوى، والكون من جملة المؤمنين فى ذلك، و «لو» ههنا بمعنى ليت فلا تفتقر إلى جواب مقدر وجوابها فتكون، أو تكون باقية على بابها، وجوابها يحذف كثيرا وتقديره فلو رجعنا لفعلنا كيت وكيت من الأفعال الصالحة، فانظر إلى هذه الآية الشريفة كيف اشتملت على هذه التخلصات اللطيفة مع ما حازته من العجائب الحسان والأسرار ذوات الأفنان. والعجب من الغانمى حيث أنكر التخلص أن يكون واقعا فى كتاب الله تعالى، وما ذاك إلا من أجل اشتغاله بفن الشعر والكتابة عن الاطلاع إلى أسرار كتاب الله تعالى، وهو أظهر من أن يحتاج إلى طلب وعناية