اعلم أن إحرازه إنما يكون بإحراز ما يحتاج إليه من العلوم الأدبية. ولما كان المقصود به هو الاطلاع على حقائق علوم الإعجاز، والإحاطة بعلم الفصاحة والبلاغة فما كان أصلا فى معرفة هذه الأشياء فهو مفتقر إليه. وما لا يحتاج إليه فى هذه الأشياء فهو غير مفتقر إليه. فصارت العلوم بالإضافة إلى ما تفتقر إليها وتستغنى على ثلاث مراتب.
[المرتبة الأولى: لا يفتقر إليها بكل حال.]
وهذا نحو العلوم العقلية، كالعلم بالمباحث الكلامية والطبّ. والفلسفة وأحكام الحساب، وغير ذلك من علوم العقل. فما هذا حاله من العلوم فلا يستمدّ منها ولا تكون طريقا إليه.
[المرتبة الثانية: ما يكون مفتقرا إليها،]
ولا يمكن الوصول إليه إلا بها وبإحرازها وهى آلة فيه. وذلك أنواع ثلاثة:
[النوع الأول منها: معرفة اللغة]
مما تداولته الألسنة وكثر استعماله وصار مألوفا. لأن موضوعه هو البلاغة والفصاحة وهما من عوارض الألفاظ والمعانى. فمن لم يعرف شيئا من اللغة لا يمكنه أن يخوض فى عارض من عوارضها فيحصل له من الألفاظ المفردة معرفة معانيها الموضوعة لها، ويعرف نسبة الكلم المفردة إلى معانيها ومسمياتها ففيه غرض عظيم يحصل عليه وجملتها أربعة. أولها: المترادفة. ونعنى به الألفاظ المختلفة الصيغ المتواردة على معنى واحد.
وهذا نحو الخمر، والمدام، والعقار، ونحو الليث، والأسد، وثانيها: المتباينة. ونريد بها الألفاظ المختلفة على المعانى المختلفة. وهذا نحو الإنسان، والفرس، والأسد. وثالثها:
المتواطئة. وهى الألفاظ المطلقة على معان متغايرة يجمعها أمر معنوىّ تكون مشتركة فيه. وهذا نحو قولنا رجل، فإنه يطلق على زيد، وعمرو، وبكر، بجامع الرجولية والإنسانية وهكذا قولنا فرس، وحيوان. ورابعها: المشتركة. وهى الألفاظ المتفقة الدالّة على معان مختلفة غير متفقة فى أمر معنوىّ. وهذا نحو قولنا: عين، فإنها تطلق على العين الباصرة، وعين الشمس، وعين الركية، وعين الميزان فهذه المعانى كلها مختلفة فى أنفسها ولا تتفق إلّا فى مجرّد اللفظ لا غير. ومن الناس من زاد على هذه الألفاظ قسما خامسا وسماه المشكك والمشتبه، وجعله مترددا بين المشتركة، والمتواطئة، وهذا نحو إطلاق لفظ النور، على ضوء الشمس، والقمر، والنار ونور العقل، ونحو لفظ الحىّ فإنه يطلق على الحيوان، والنبات. والأقرب إلحاقه