وهى وإن حصلت على ما ذكرناه من كونها من حروف العربية، فلابد من كونها مؤلفة تأليفا يسهل النطق به ويرق على اللسان ويعذب، فإذا تباعد المخرجان كان أحسن ما يكون وألطف، وإذا تقارب المخرجان كان دون ذلك فى الحسن كقولك. «أمر أب» فإن الهمزة من الحلق والباء والميم من الشفة، فلا جرم كان حسنا بخلاف قولنا «هعخع» اسم شجر، فإن تأليفه متنافر لما كانت المخارج متقاربة، لأنها كلها من الحلق، فلهذا صعب مخرجها على اللسان، لما فيها من الثقل، وهكذا قولنا «ملع» فإنها ركيكة التأليف لما كانت متقاربة المخارج، فإن حروفها كلها من الفم والحلق، لكن لما تقدم حرف الفم ثقلت، فلو تقدم حرف الحلق كان حسنا، فإذا قلبت تأليفها «بعلم وعمل» كان رقيقا خفيفا، فينحلّ من مجموع ما ذكرناه أنه لابد من مراعاة أحوال الحروف المفردة، من رقتها ولطافتها وأن تكون مألوفة مستعملة فى اللغة العالية، وأن يكون بريئا من الحروف النادرة المستهجنة، نحو ما روى من كشكشة بنى تميم، وهى إبدالهم من كاف المؤنث شينا، فيقولون مررت بش قال شاعرهم:
وكسكسة بنى بكر، وهى إلحاق كاف المؤنث سينا، فيقولون مررت بكس، والكشكشة فى بنى تميم هى بالشين بثلاث من أعلاها، والكسكسة بالسين، وهى فى بنى بكر، ونحو الطّمطمانية فى حمير وهى عدم الإبانة فى الكلام والإفصاح فيه، ونحو الغمغمة فى قضاعة، وهى اللّكنة فى الكلام، ونحو الفراتية فى أهل العراق، واللخلخانية فيهم، وهما العجمة فى الكلام، وهذه كلها عاهات فى الكلام ولكنة فيه، وكتاب الله تعالى منزه عن هذه اللغات، لبعدها عن الفصاحة وميلها عن الأحرف العربية، وأنه لابد من مراعاة حسن التأليف مع حسن الأحرف ورقتها، فمتى حصل الأمران أعنى عذوبة الأحرف ورشاقة تأليفها، كان الكلام فى غاية الحسن والإعجاب، فإذن لابد لاعتبار كون الكلمة فصيحة من أمور ثلاثة، أما أولا: فبأن تكون حروفها صافية الذوق فى مخارجها، لذيذة السماع طيبة المجرى على اللسان، وأما ثانيا: فبأن تكون معتدلة فى تأليفها، بأن تكون ثلاثية، لأن ما دونها لا يعد من الأسماء لنقصان وزنه، أو فوق الثلاثى، من الرباعى والخماسى، وإن كانت مستعملة، لكن الثلاثى أعدلها فى الوزن، وأخفها على الألسنة، وأما ثالثا: فتكون