للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الأول فى ذكر [الإطناب] وبيان معناه

اعلم أن الإطناب واد من أودية البلاغة، ولا يرد إلا فى الكلام المؤتلف، ولا يختص بالمفردات، لأن معناه لا يحصل إلا فى الأمور المركبة، فمن أجل هذا خصصناه بالإيراد فى هذا الباب، والإطناب مصدر أطنب فى كلامه إطنابا، إذا بالغ فيه وطوّل ذيوله لإفادة المعانى، واشتقاقه من قولهم: أطنب بالمكان إذا طال مقامه فيه، وفرس مطنب إذا طال متنه، ومن أجل ذلك سمى حبل الخيمة طنبا لطوله، وهو نقيض الإيجاز فى الكلام، فلنذكر ماهيته والتفرقة بينه وبين التطويل، ثم نذكر أقسامه، ثم نردفه بذكر الأمثلة فيه، فهذه مباحث ثلاثة نفصلها بمعونة الله تعالى.

[البحث الأول فى ماهيته والتفرقة بينه وبين التطويل]

ومعناه فى لسان علماء البيان هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة جديدة من غير ترديد فقولنا: هو زيادة اللفظ على المعنى، عام فى الإطناب، وفى الألفاظ المترادفة كقولنا: ليث وأسد، فإنه كله من باب زيادة اللفظ على معناه، وقولنا لفائدة، يخرج عنه التطويل، فإنه زيادة من غير فائدة، وقولنا جديدة، تخرج عنه الألفاظ المترادفة، فإنها زيادة فى اللفظ على المعنى لفائدة لغوية، ولكنها ليست جديدة، وقولنا من غير ترديد يحترز به عن التواكيد اللفظية كقولنا: اضرب اضرب، فإنها زيادة اللفظ على المعنى لفائدة جديدة، وهو التأكيد، لكنه ترديد اللفظ وتكريره، بخلاف الإطناب فإنه خارج عن التأكيد، فوضح بما ذكرناه شرح ماهية الإطناب بهذه القيود التى أشرنا إليها، فصارت الأمور التى يلبس بها الإطناب ثلاثة، التطويل، وهو مزيد من غير فائدة، والتكرير، والترادف، وقد خرج التكرير بقيد الترديد، وخرج المترادف بقيد الفائدة الجديدة، وخلص باعتبار هذه القيود عن غيره من سائر الحقائق، فكان حاصل الإطناب الاشتداد فى المبالغة فى المعانى، أخذا من قولهم: أطنبت الريح، إذا اشتد هبوبها، وأطنب الرجل فى سيره، إذا اشتد فيه، وهو غير مناقض لما ذكرناه فى اشتقاقه فى صدر الباب.

«وأما» التفرقة بينه وبين التطويل فاعلم أن علماء البيان لهم فى ذلك مذهبان، المذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>