الأول أن الإطناب هو التطويل، وهذا هو المحكى عن أبى هلال العسكرى، وعن الغانمى أيضا وقالا: إن كتب الفتوح والتقاليد كلها ينبغى أن تكون مطولة كثيرة الإطناب، لأنها مما يقرأ على عوام الناس لافتقارها إلى البيان، فكلامهما يقضى بأنه لا تفرقة بين الإطناب والتطويل، المذهب الثانى أنهما يفترقان، فإن الإطناب يذكر لفائدة عظيمة بخلاف التطويل، فإنه لا فائدة وراءه، وهذا هو الذى عليه الأكثر من علماء البلاغة، وإليه يشير كلام ابن الأثير وهذا هو المختار، ويدل على ما قلناه من التفرقة بينهما هو أن الإطناب صفة محمودة فى البلاغة، بخلاف التطويل، فإنه صفة مذمومة فى الكلام، وما ذاك إلا لأن الإطناب يجىء من أجل الفائدة بخلاف التطويل، فإنه يكون من غير فائدة، فحصل من مجموع ما ذكرناه أن ما يتوصل به إلى البغية من معانى الكلام أمور ثلاثة، الإيجاز، والإطناب، والتطويل. فأما الإيجاز فهو دلالة اللفظ على معناه من غير نقصان فيخلّ، ولا زيادة فيملّ، وقد رمزنا إلى أسراره فيما سبق، وأما التطويل والإطناب فهما متساويان فى تأدية المعنى، خلا أن الإطناب مختص بفائدة جديدة، ولأجلها كان ممتازا عن التطويل، ومثال ما قلناه من ذلك كمن سلك لطلب مقصد من المقاصد ثلاث طرق فإنها كلها موصلة إلى ما يريده، فأحدها أقرب الطرق، وهو نظير الإيجاز، والطريقان الأخريان متساويتان فى الإطالة، وهما نظيرا الإطناب، والتطويل، خلا أن أحدهما مختص إما بمتنزّه حسن، أو بمياه عذبة، أو زيارة صديق أو غير ذلك من الفوائد، فهو نظير الإطناب كما لخصناه، وأصدق مثال فى الإيجاز، والإطناب، والتطويل، ما حكاه ابن الأثير وهو: أن المأمون لما وجّه طاهر بن الحسين فى عسكر لحرب عيسى بن ماهان فقتله وهزم عسكره، واستولى على جنده ثم كتب إليه طاهر يخبره بذلك فقال: كتابى إلى أمير المؤمنين ورأس عيسى بن ماهان بين يدى وخاتمه فى يدى، وعسكره متصرّف تحت أمرى والسلام. فهذا كتاب قد أوجز فيه غاية الإيجاز وأتى فيه بالغرض المقصود من غير تطويل ولا إطناب، لاشتماله على تفاصيل القصة وإجمالها، وهو من أحسن أمثلة الإيجاز، وإن وجهته على جهة الاطناب فإنك لتشرح القصة مفصلة وتودع التفاصيل زبدا عظيمة من تعظيم المأمون وقوة سلطانه، ونهضة جند الإسلام واستطالته على الكفار من أهل الردة، لأن عيسى بن ماهان كان نصرانيا فيما قيل، ويحكى صفة الواقعة وما كان، مع فوائد عظيمة، ونكت جمة، فما هذا حاله يكون إطنابا لاحتوائه على ما ذكرناه من الفوائد، وإن