ولحاق وفراق» . وقال فى كلام آخر «فأطفئوا ما كمن فى قلوبكم من نيران العصبية، وأحقاد ثأر الجاهلية، واعتمدوا وضع التذلل على رؤسكم، وإلقاء التعذر تحت أقدامكم، وخلع التكبر عن أعناقكم، واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوكم، إبليس وجنوده، فإن له من كل أمة جنودا وأعوانا، ورجلا وفرسانا» ومن خبر كلامه ومارس أسلوبه ونظامه، تحقق لا محالة أنه قمر البلاغة المتوسط فى هالتها، والطراز الباهى فى أكم غلالتها.
[النوع الرابع فيما ورد من التشبيه فى كلام البلغاء]
فمن ذلك كلام قبيصة بن نعيم، لما قدم على امرىء القيس فى أشياخ من بنى أسد، يسألونه العفو عن دم أبيه حجر، فقال له قبيصة: إنك فى المحل والقدر من المعرفة بتصريف الدهر، وما تحدثه أيامه، وتتنقل به أحواله بحيث لا تحتاج إلى تذكير من واعظ، ولا تبصير من مجرب، ولك من سؤدد منصبك، وشرف أعراقك، وكرم أصلك فى العرب، محتمل يحتمل ما حمل من إقالة العثرة، ورجوع عن الهفوة، ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك، فوجدت عندك من فضيلة الرأى، وبصيرة الفهم، وكرم الصفح، ما يطول رغباتها ويستغرق طلباتها، وقد كان الذى كان من الخطب الجليل الذى عمت رزيئته نزارا واليمن، ولم يخصص بذلك كندة دوننا، للشرف البارع كان الحجر، ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده، لما بخلت كرائمنا به على مثله، ولكنه مضى به سبيل لا ترجع أخراه على أولاه، ولا يلحق أقصاه أدناه فأحمد الحالات أن تعرف الواجب عليك فى إحدى خلال ثلاث، إما أن اخترت من بنى أسد أشرفها بيتا، وأعلاها فى بناء المكرمات صوتا، فقدناه إليك بنسعه، تذهب مع شفرات حسامك قصرته، فنقول، رجل امتحن بهلك عزيز، فلم تستل سخيمته إلا بتمكينه من الانتقام. أو فداء بما يروح على بنى أسد من نعمها، فهى ألوف تجاوز الحسبة فكان ذلك فداء رجعت به القضب إلى أجفانها، وإما أن توادعنا إلى أن تضع الحوامل فنسدل الأزر، ونعقد الخمر فوق الرايات، قال فبكى امرؤ القيس ساعة، ثم رفع رأسه فقال: لقد علمت العرب أنه لا كفء لحجر فى دم، وإنى لن أعتاض به جملا ولا ناقة، فأكتسب بذلك سبة الأبد، وفت العضد، وأما النظرة فقد