اعلم أن التأكيد تمكين الشىء فى النفس وتقوية أمره، وفائدته إزالة الشكوك وإماطة الشبهات عما أنت بصدده، وهو دقيق المأخذ، كثير الفوائد، وله مجريان.
[«المجرى الأول» عام وهو ما يتعلق بالمعانى الإعرابية،]
وينقسم إلى لفظى ومعنوى، وليس من همنا إيراده ههنا لأمرين، أما أولا فلانحراف ما يتعلق بمقاصد الإعراب عما يتعلق بمقاصد البلاغة، وما نحن فيه إنما هو كلام فى مقاصد البلاغة، وأما ثانيا فلأن كتابنا إنما يخوض فيه من له ذوق فى علم العربية وكانت له حظوة وافرة فيها.
[«المجرى الثانى» خاص يتعلق بعلوم البيان،]
ويقال له التكرير أيضا، وليس يخفى موقعه البليغ ولا علو مكانه الرفيع، وكم من كلام هو عن التحقيق طريد، حتى يخالطه صفو التأكيد، فعند ذاك يصير قلادة فى الجيد، وقاعدة للتجويد، ثم ما يكون متعلقا بعلوم البيان قد يكون تأكيدا فى اللفظ والمعنى، وقد يتعلق بالمعنى دون اللفظ، فهذان قسمان
[القسم الأول ما يكون تأكيدا فى اللفظ والمعنى جميعا]
اعلم أن ما نورده فى هذا القسم ينبغى إمعان النظر فيه لغموضه ودقة مجاريه، ومن أجل ورود التأكيد من جهة اللفظ والمعنى والتكرير فى كتاب الله تعالى ظن بعض من ضاقت حوصلته، وضعفت بصيرته عن إدراك الحقائق، والتطلّع إلى مآخذ الدقائق أنه خال عن الفائدة، وأنه لا معنى تحته إلا مجرد التكرير لا غير، وهذا خطأ وزلل، فإن كتاب الله تعالى لم يبلغ حد الإعجاز فى البلاغة والفصاحة سواه من بين سائر الكلمات، ولو كان فيه ما هو خال عن الفائدة بالتكرير لم يكن بالغا هذه الدرجة ولا كان مختصا بهذه المزية، وأيضا فإن سائر الكلمات التى هى دونه فى الرتبة قد يوجد فيه التكرير مع اشتمالها على الفائدة فكيف هو؟! ونحن الآن نعلو ذروة لا ينال حضيضها فى بيان معانى الألفاظ المكررة، فى لفظها ومعناها فى كتاب الله تعالى، ونظهر أنها مع أن تكريرها، إنما كان لمعان