[النوع الرابع عكس المعنى]
وما هذا حاله فهو بالغ فى المجد كل مبلغ، ومن لطافته ورقته ورشاقته يكاد يخرجه عن حد السرقة، فمن ذلك ما قاله أبو نواس فى مدح نكاح الصغار واللاتى لم ينكحن:
قالوا عشقت صغيرة فأجبتهم ... أشهى المطىّ إلىّ ما لم تركب
كم بين حبّة لؤلؤ مثقوبة ... نظمت وحبة لؤلؤ لم تثقب
فعكس ما قاله مسلم بن الوليد فقال:
إن المطيّة لا يلذّ ركوبها ... حتى تذلّل بالزمام وتركبا
والحبّ ليس بنافع أربابه ... حتى يفصّل فى النظام ويثقبا
ومن ذلك ما قاله ابن جعفر فى الوصل والقلى:
ولما بدا لى أنها لا تريدنى ... وأنّ هواها ليس عنّى بمنجلى
تمنّيت أن تهوى سواى لعلّها ... تذوق صبابات الهوى فترقّ لى
فأخذ هذا المعنى بعضهم وعكسه على حسنه قال:
ولقد سرّنى صدودك عنّى ... فى طلابيك وامتناعك منّى
حذرا أن أكون مفتاح غيرى ... وإذا ما خلوت كنت التمنّى
فانظر إلى كلام ابن جعفر فلم يبال فى إلقاء رداء الغيرة عن منكبه ومشاركة غيره له فى مواصلة محبوبه، وأما الآخر فهو على الضد من ذلك، ومن ذلك ما قاله أبو الشّيص فى الغرام بمحبوبه:
أجد الملامة فى هواك لذيذة ... حبّا بذكرك فليلمنى اللّوّم «١»
فأخذه أبو الطيب المتنبى وعكس ما قاله عكسا لائقا قال فيه:
أأحبّه وأحبّ فيه ملامة ... إنّ الملامة فيه من أعدائه «٢»
وما هذا حاله فإنه من السرقات الخفية كما أشرنا إليه، وقد قال بعض الحذاق إن ما هذا حاله بأن يسمى ابتداعا أحق من أن يسمى سرقة، ومن هذا ما قاله بعض الشعراء فى صفة الكرام ومدحهم:
لولا الكرام وما استنّوه من كرم ... لم يدر قائل شعر كيف يمتدح