إلى أمرائه وعماله وجباة الخراج يأمرهم فيها بأوامر الله تعالى، ويؤدبهم فيها بالآداب الشرعية، والزواجر الوعظية، ويشير إلى محاسن الشيم، وبما فيه قوام لأمر السياسة وأحكام الإيالة، فمنها كتابه إلى كميل بن زياد، وهو عامله على هيت.
أما بعد فإن تضييع المرء ما ولى، وتكلفه ما كفى، لعجز حاضر، ورأى متبّر، وإن تعاطيك الغارة على أهل قرقيسياء وتعطيلك مسالحك التى وليناك ليس لها من يمنعها، ولا يرد الجيش عنها، لرأى شعاع، فقد صرت جسرا لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك غير شديد المنكب ولا مهيب الجانب، ولا ساد ثغرة، ولا كاسر لعدو شوكة، ولا مغن عن أهل مصره، ولا مجز عن أميره.
فانظر إلى ما تضمنه هذا الكتاب من المناجمة، والاهتداء إلى المصالح الدينية، وما اشتمل عليه من المراشد الدنيوية، وإصلاح أمر الدولة، وتعهد أحوال الإيالة والسياسة.
ومنها كتابه إلى الأسود بن قطبة، صاحب حلوان: أما بعد فإن الوالى إذا اختلف هواه منعه ذلك كثيرا من العدل، فليكن أمر الناس عندك فى الحق سواء، فإنه ليس فى الجور عوض من العدل، فاجتنب ما تنكر أمثاله وابتذل نفسك فيما افترض الله عليك، راجيا لثوابه، ومتخوفا من عقابه، واعلم أن الدار دار بلية لم يفرغ صاحبها قط فيها ساعة إلا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة، فإنه لن يغنيك عن الحق شىء أبدا، ومن الحق عليك حفظ نفسك، والاحتساب على الرعية بجهدك، فإن الذى يصل إليك من ذلك أفضل من الذى يصل بك والسلام.
ومنها كتاب له أوصى فيه شريح بن هانىء لما جعله علىّ على مقدمته إلى الشام: اتق الله فى كل صباح ومساء وخف على نفسك الدنيا الغرور، ولا تأمنها على حال، واعلم أنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروه، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر، فكن لنفسك مانعا رادعا، ولنزوتك عند الحفيظة واقما قامعا.
فهذه كتب من أحاط بمكنون البلاغة ملكه، واستولى على أسرار الفصاحة ملكه.