، وجاء به على جهة المضارعة والاستقبال بين فعلين ماضيين، وهما قوله: أَرْسَلَ
، فَسُقْناهُ
، والسر فى مثل هذا، هو أن الفعل المستقبل يوضح الحال، ويستحضر تلك الصورة حتى كأن الإنسان يشاهدها، وليس كذلك الفعل الماضى إذا عطف؛ لأنه لا يعطى هذا المعنى ولا يدل عليه، فإذا قال فتثير، على جهة الاستقبال بعد ما مضى قوله:«أرسل» . فإنما يكون دالا على حكاية الحال التى تقع فيها إثارة الريح للسحاب، واستحضار لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة، وكذلك تفعل فيما هذا حاله، فإنك تقرره على هذا الضابط، وهكذا ورد قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
[الحج: ٢٥] وإنما جاء به على صيغة المضارع، وعدل عن عطف الماضى على الماضى تنبيها على أن كفرهم ثابت مستمر غير متجدد، بخلاف الصّد، فإنه متجدد على ممر الأوقات، وتكرر الساعات، فلهذا جاء به على صيغة المضارع، منبها على ذلك. ومن هذا النوع قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً
[الحج: ٦٣] ولم يقل «فأصبحت» عطفا على أَنْزَلَ
، إشارة إلى أن إنزال الماء قد انقضى ومضى، واخضرار الأرض متجدد كما تقول «أنعم علّى فلان، فأروح وأغدو شاكرا له» ، ولو قلت «فغدوت شاكرا له» لم يفد تلك الفائدة. لا يقال: فهب أن الفعل جاء مضارعا من أجل التنبيه على الذى ذكرتموه فأراه لم يكن منصوبا جوابا للاستفهام بالهمزة فى قوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ
وعدل به عن القياس المطرد وهو النصب، لأنا نقول: النصب إنما يكون إذا كان الأول سببا للثانى كقولك: «أتقوم فأقوم» وههنا ليست الرؤية سببا فى كون الأرض تصبح مخضرة، فلهذا وجب رفعه للدلالة على أنها تكون مخضرة عقيب الإنزال للماء عليه من غير إشارة إلى السببية، وعلى هذا يكون المعنى فيه نهاية البلاغة. ومما ينخرط فى هذا السلك: ما روى من حديث الزبير بن العوام فى غزوة بدر فإنه قال: لقيت عبيدة بن سعيد بن العاص وهو على فرس وعليه لأمة كاملة لا يرى منه إلا عيناه، وهو يقول أنا أبو ذات الكرش، وفى يدى عنزة فأطعن بها فى عينه فوقع، ثم