وقد يرد التعريض من غير الألفاظ العربية كالتوراة، والإنجيل، والسريانية، والفرسيّة، وذلك لكثرة الحاجة إليه، وأعجب ما سمعته من ذلك، أن رجلا من خواص كسرى قيل له إن الملك يختلف إلى امرأتك، فهجرها من أجل ذلك، وترك فراشها، فأخبرت كسرى، فدعاه، وقال له، قد بلغنى أن لك عينا عذبة وأنك لا تشرب منها، فقال له: أيها الملك بلغنى أن الأسد يردها، فخفته، فاستحسن كسرى منه كلامه، وأسنى عطيته.
[المقصد الثانى فى بيان التفرقة بين التعريض والكناية]
ويشتمل على تنبيهات ثلاثة:
[التنبيه الأول فى أن التعريض ليس معدودا من باب المجاز]
وبيانه هو أن المجاز ما دل على خلاف ما وضع له فى الأصل، والتعريض ليس حاله هكذا، فإنه دال على ما كان دالا عليه فى الأصل، خلا أنه أفاد معنى آخر بالقرينة، ومثاله قوله تعالى:
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً
[المؤمنون: ١١٥] فهذا استفهام ورد على جهة الإنكار، وهو مجاز فيه، وهو دال على ما وضع له، لكنه تعريض بالكفار فى إنكار الرجعة، والمعاد الأخروى، وليس دالا عليه من جهة مجازه، ولا من جهة حقيقته، وإنما هو مفهوم من جهة القرينة، كما قررناه من قبل. ومن غريب ما جاء فى التعريض قول أمير المؤمنين كرم الله وجهه:«إن الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، وإن أكرم الموت القتل، والذى نفس ابن أبى طالب بيده، لضربة ألف سيف أهون على من ميتة على الفراش» فهذا كلامه، قاله على جهة التعريض لأصحابه فى تأخرهم عن الجهاد ونكوصهم عن قتال عدوهم، ثم قوله أيضا يخاطب به أصحابه:«أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرؤوا القرآن فأحكموه، وهيجوا للجهاد فولهوا وله اللقاح لأولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا، وصفا صفا، بعضهم هلك، وبعضهم نجا» إلى آخر كلامه. فهذا كلام أخرجه مخرج التعريض بأصحابه، حيث لم ينقادوا لأمره، ولا استمعوا قوله.