الوجه الأول منهما أن يقترن به ما يقرّبه إلى الإمكان،
وهذا كقول من قال يصف فرسا له بسرعة جرى:
ويكاد يخرج سرعة من ظلّه ... لو كان يرغب فى فراق رفيق «١»
أراد أنه يقرب أن يفارق ظله عند جريه، وما يمنعه عن المفارقة إلا أن ظله رفيق له، ومن شيمه أن لا يفارق حميمه ورفيقه، ومنه قول مهلهل:
فلولا الريح أسمع من بحجر ... صليل البيض تقرع بالذكور
وكان بين حجر ومكان الوقعة مسيرة عشرة أيام، وأحسن من هذا قوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ
[النور: ٣٥] ومن أرق ما قيل فى هذا ما قاله النابغة فى وصف السيوف من شدة قطعها قال:
تقدّ السّلوقىّ المضاعف نسجه ... ويوقدن بالصفّاح نار الحباحب «٢»
أراد أنهن يقطعن الدروع ثم من بعد قطعها تقدح النار فى الحجارة من شدة وقعها، فهذا مما يقرّب.
الوجه الثانى مالا يقترن به ما يسوّغ قبوله
فيكون مردودا وهذا كقول النمر بن تولب يصف سيفه:
يكاد يحفر عنه إن ضربت به ... بعد الذّراعين والساقين والهادى «٣»
يريد أنه يغيب فى الأرض بعد قطعه لهذه الأشياء، ومن ذلك ما قاله المتنبى:
أو كان صادف رأس عاذر سيفه ... فى يوم معركة لأعيا عيسى «٤»
ومن ذلك ما قاله بعض الشعراء يغلو فيه:
كأنى دحوت الأرض من خبرتى بها ... كأنّى بنى الإسكندر السّدّ من عزمى «٥»
فشبه نفسه أولا بالخالق جل جلاله فى دحوه الأرض ثم انحط منه إلى ما شبه نفسه بالإسكندر، فهذا ما أردنا ذكره فى المبالغة والله أعلم.