فهذا أيضا من جيد الاستعارة ومليحها فاستعار اسم النبل للأقلام، والريش للأنامل، والنصول لسواد المداد، واستعار اسم الحلبة للقرطاس، والجياد للأقلام وجعل الصرير كالصهيل فى الخيل، وهذا من التوشيح للاستعارة البالغ ومن ذلك ما قاله بعض الشعراء:
العيش نوم والمنية يقظة ... والمرء بينهما خيال سارى
فاقضوا مآربكم سراعا إنما ... أعماركم سفر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا ... أن تسترد فإنهن عوارى
ومن غريب الاستعارة ما قاله بعضهم يرثى ولدا له:
وهلال أيام مضى لم يستدر ... بدرا ولم يمهل لوقت سرار
عجل الكسوف عليه قبل أوانه ... فمحاه قبل مظنة الإبدار
واستل من أترابه ولداته ... كالمقلة استلت من الأشفار
ولنكتف بهذا القدر فى أمثلة الاستعارات ففيه غنية.
[البحث الثالث فى أقسام الاستعارة]
اعلم أن الاستعارة منقسمة باعتبار ذاتها إلى حقيقية، وخيالية، وباعتبار لازمها إلى مجردة، وموشحة، وباعتبار حكمها إلى حسنة، وقبيحة، وباعتبار كيفية استعمالها إلى استعارة محسوس لمحسوس، أو معقول لمعقول، إلى غير ذلك من أنواع التقاسيم، فهذه تقسيمات أربعة، نذكر ما يتعلق بكل واحد منها وأمثلته بمعونة الله تعالى.
[التقسيم الأول باعتبار ذاتها إلى حقيقية وخيالية]
[فأما الحقيقية]
فهى أن تذكر اللفظ المستعار مطلقا كقولك: رأيت أسدا. والضابط لها أن يكون المستعار له أمرا محققا، سواء جرد عن حكم المستعار له، أو لم يجرد بأن يذكر الاستعارة ثم يأتى بعد ذلك بما يؤكد أمر المستعار له ويوضح حاله، وهذا مثاله قولك:
رأيت أسدا على سرير ملكه، وبدرا على فرس أبلق، وبحرا على بابه الوفاد، وبحر علم لا