ومعناه أن يكون المعنى المندرج تحت العبارة على حسب ما يقتضيه المعبر عنه مساويا له من غير زيادة فيكون إفراطا، ولا نقصان فيكون تفريطا ولنورد فيه أمثلة أربعة توضح المقصود منه بمعونة الله تعالى.
[المثال الأول من كتاب الله تعالى]
وهذا كقوله تعالى فى صدر سورة البقرة فى صفة المتقين: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
[البقرة: ٢- ٥] فهذه الأوصاف على نهاية الاقتصاد والتوسط من غير إفراط ولا تفريط، وقوله تعالى: فى افتتاح سورة المؤمنين فى صفة أهل الإيمان قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (٤)
[المؤمنون: ١- ٤] إلى قوله أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠)
[المؤمنون: ١٠] والقرآن وارد على هذه الطريقة، فإنه وارد على نهاية الاعتدال والتوسط، فهذا ما ورد فى المدح، فأما الذم فكقوله تعالى: فى سورة نون يخاطب به الوليد ابن المغيرة المخزومى، وقيل الأخنس بن شريق، وقيل الأسود بن عبد يغوث فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣)
[القلم: ٨- ١٣] فهذه أوصاف دالة على الذم، صادقة عما هم عليه من هذه السمات جارية على جهة الاعتدال والتوسط من غير إفراط ولا تفريط، وهكذا القول فى جميع علوم القرآن وأصوله من الأوامر، والنواهى والوعد، والوعيد، والقصص، والأمثال، فإنها جارية على جهة التوسط والاعتدال لا تخرج عن حد فيما تناولته من مدح ولا ذم ولا غيره كما يكون الخروج فى غيره.
[المثال الثانى من السنة النبوية،]
فمن ذلك قوله صلى الله عليه: ألا أحدثكم بأحبكم إلى وأقربكم منى مجالس يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون، ألا أخبركم بأبغضكم إلى وأبعدكم منى مجالس يوم القيامة، الثرثارون المتفيهقون. فانظر إلى حبه. فما أعدله، وإلى بغضه ما أقومه، فأعطى المحب ما يليق به، وأعطى المبغض ما