بمجازه لم تعرف على جهة الكمال فيحصل مع المجاز تشوّق إلى تحصيل الكمال، فلا جرم كانت العبارة بالمجازات أقرب إلى تحسين الكلام وتلطيفه.
[الحكم الثالث]
أجمع أهل التحقيق من علماء الدّين، والنّظار من الأصوليين، وعلماء البيان على جواز دخول المجاز فى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم فى كلام نوعيه، المفرد، والمركب، ويحكى الخلاف فى إنكاره عن أبى بكر بن داود الأصفهانى، والحجة على ما قلناه: هو أن خلافه إما أن يكون فى الجواز، أو فى الوقوع، فأمّا الجواز العقلّى فإنه ظاهر فإن الخطاب بالكلام الذى أريد به خلاف ما وضع له جائز من جهة العقل، والقدرة الإلهية لا تعجز عن مثل هذا فلهذا حكمنا به، وأمّا الوقوع فهو ظاهر فى القرآن كثيرا قال الله تعالى:
[النحل: ١١٢] وعلى الجملة فالاستعارة، والتمثيل، والكناية، فى كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أوسع من أن تضبط بحد، وسنورد من ذلك أمورا منبّهة على حسن البلاغة بالتوسّعات المجازية، وتقرير هذه الدلالة أن هذه المجازات إما أن يراد بها معنى، أو لا، والثانى باطل منزّه عنه كلام الله، والأول إمّا أن يراد به ما وضع له، أو غيره، فإن أريد به ما وضع له فهو باطل، لأن الذّلّ لا جناح له، والإرادة لا تعقل من الجدار، والأخذ من جهة الأرض غير ممكن، لأنها غير قادرة، وإن لم يرد بها ما وضعت له فهذا هو الذى نريده بالمجاز وهو المطلوب.
[خيال وتنبيه]
فإن قال قائل: إن ما ذكرتموه من جواز دخول المجاز فى كلام الله تعالى يؤدّى إلى حصول مطاعن فى ذات الله تعالى، وفى صفاته، وفى كلامه، وشىء منها غير جائز فى الله تعالى ولا فى صفاته ولا يليق بخطابه، فيجب القضاء ببطلانه وفساده، وبيانه من أوجه أربعة:
أولها: هو أن الله تعالى لو خاطب بالمجاز لكان يجوز وصفه بأنه متجوّز مستعير، وهذا غير لائق بالحكمة.