قوله إنا نقطع بفائدة الكلام من غير حاجة إلى التصريف قلنا هذا فاسد فإنه وإن أفاد كما ذكره من المثال، فإن الغرض مطلق الأوضاع اللغوية وجريها على القوانين المطردة معا. فتحصّل من مجموع ما ذكرناه أنه لابدّ من إحراز هذه العلوم لمن أراد الوقوف على محاسن البلاغة والاطّلاع على أسرار الفصاحة.
فالزّلل فى الجهل باللغة مؤدّ إلى تحريف الألفاظ، وفساد معانيها، والزّلل فى الإعراب يؤذن بفساد المعانى والتباسها. وفساد التصريف يبطل قوالب الألفاظ وجريها على مجاريها القياسية. ويدلّ على مصداق ما قلنا من أن اللحن يبطل المعانى ويفسدها ما فى الحكاية عن أمير المؤمنين كرم الله وجهه، لمّا قال له أبو الأسود ما قال، مما يشعر باللحن وفساد اللغة.
فأمره بأن يصنع نحوا، وأمره بتقرير قواعده وبيان أصوله التى يرجع إليها.
وإذا كان زوال الإعراب يبطل المعانى مع كونه عارضا من عوارض الألفاظ، فتغيّر الأوضاع اللغوية والمجارى التصريفيّة، يكون أدخل فى التغيير لا محالة لأن هذا تغيّر فى ذوات الألفاظ، وذاك تغيّر فى عوارضها من أنواع الإعراب.
[المرتبة الثالثة: مما يكون متوسطا بين المرتبتين السابقتين]
فلا يستغنى عنه ولا يفتقر إليه غاية الافتقار، بل هو جار مجرى التتمة والتكملة فى التحسين والكمال. ولا ينخرم المقصود إن هو لم يحصل. وهذا نحو العلم بالأمثال العربية وما يؤثر عن العرب من الحكم والآداب فى المحافل والاستظهار بمطالعة الدواوين والرياضة بحفظ الأشعار فإن ذلك يفيد حنكة، وتجربة، ويكون عونا على إدراك البلاغة والفصاحة، ويفيد الاطّلاع على أسرار الإعجاز
[والشعراء طبقات ثلاث.]
[الطبقة الأولى: المتقدمون من الشعراء فى الجاهلية]
كامرىء القيس وزهير والنابغة. وسئل بعض الأذكياء عن وصفهم فيما أتوا به من الشعر، فقال امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا شرب.
[الطبقة الثانية: المتوسطون]
كالفرزدق، وجرير، والأخطل. وسئل جرير عن نفسه وعن الفرزدق والأخطل، فقال: أما الفرزدق ففى يده نبعة من الشعر وهو قابض عليها وأما الأخطل فأشدّنا اجتراء، وأرمانا للفرائص، وأما أنا فمدينة الشعر.
[الطبقة الثالثة: المتأخرون]
أبو تمام، والبحترى والمتنبى أبو الطيب.