وافر، وبحرا قد برز على الأقران فى فضله، أن يكون مناقضا، لأن قولنا يضحك، وله عقل وافر، وفضل باهر، ينافى هذه الاستعارات، لأن الأسد لا يوصف بالضحك ولا بالعقل ولا يوصف البحر بالفضل، وفى هذا دلالة على أن المجاز يجب كونه لغويا بالاستعارة، كما أشرنا إليه.
[إشارة]
اعلم أن هذه الاستعارة فى المفرد والمركب كما ذكرناه، فأما الخلاف فى كونها مجازا، هل يكون عقليا، أو لغويا فالأمر فيه قريب، وليس وراء النزاع كبير فائدة، فإذا فهم المراد من كونه لغويا أو عقليا، فلا عليك فى إطلاق العبارة بعد إحراز المعانى والوقوف على حقائقها.
[الحكم الثالث فى بيان محل الاستعارة ومكانها]
اعلم أن أعظم ما تدخل فيه الاستعارة هو أسماء الأجناس، وهذا كقوله تعالى:
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ
[الإسراء: ٢٤] وقوله تعالى: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ
[الأنعام: ٢٥] فأما أسماء الأعلام فقد قررنا فيما سبق استحالة دخول المجاز فيها فضلا عن الاستعارة، فلا وجه لتكريره، وقد تدخل الاستعارة فى أسماء الإشارة كقوله تعالى: هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ
[ص: ٥٥] فقوله: هذا
استعارة لأنه إنما يستعمل حقيقة فيما كان قريبا مشارا إليه، فالمجاز فى الإشارة داخل ههنا فيما يعرض من أحواله فى القرب والبعد، فلا يكون مناقضا لما أسلفناه من أن أسماء الإشارة لا يدخلها المجاز، فإنما تعذر المجاز فيها من حيث الإطلاق، وقد تدخل الاستعارة فى الأفعال، كقولك: نطقت الحال بكذا، لأن الحال غير ناطقة، وإنما يكون النطق حقيقة من الإنسان وغيره، فهذه الاستعارة فيها من جهة مفعولاتها كما قال: فلان أظهر العلوم بعد خفائها، ورفع المجد بعد انخفاضه، قال ابن المعتز: