فإنه لا دلالة فيه على كون اللفظ مجازا ولا حقيقة، وأما ثانيا: فلأنه ليس بأن يدل قولنا أوامر على كون الأمر حقيقة فى القول بأحق من أن يدل على كونه مجازا، ولا قولنا أمورا فى العقل بأن يدل على كونه مجازا أولى من أن يكون حقيقة، بل نقول دلالة قولنا أوامر على كونه مجازا أحق من دلالته على كونه حقيقة لأن جمع أمر على أوامر على خلاف القياس، فلهذا كانت دلالته على المجازية أحق، وجمع أمر على أمور جار على القياس، فكانت دلالته على كونه حقيقة أولى، فبطل ما توهمه.
ورابعها: أن المعنى الحقيقى إذا كان متعلقا بالغير فإذا استعمل فيما لا تعلق له بشىء كان مجازا، وعلى هذا لفظ القدرة إذا أريد به الصفة القادرية كان لها متعلق وهو المقدور، وإذا أطلق على إتيان الحسن لم يكن له متعلق فيعلم كونه مجازا، وهذا فاسد أيضا لاحتمال أن يكون مقولا بالاشتراك عليهما فيكون حقيقة فيهما، لكن اتفق أن له بحسب أحد الحقيقتين متعلقا دون الأخرى، فهذه زبدة ما عوّل عليه الشيخ أبو حامد الغزالى فى هذه الفروق الفاسدة، وكأنه إنما أتى له الفساد من جهة تعويله على أمور عامة ليست صالحة للتفرقة، فلهذا بطل ما عول عليه.
[خيال وتنبيه]
فإن قال قائل: هلّا أوردتم من جملة الفروق الفاسدة بين الحقيقة والمجاز الكلام فى التعريفات الفاسدة التى حكيتموها عن الشيخ أبى عبد الله البصرى، وعبد القاهر الجرجانى، وأبى الفتح ابن جنى وغيرهم من علماء الأدب وعددتموها من جملتها فإن من أخطأ فى تعريف الماهية أخطأ لا محالة فى التفرقة بينهما، فكان ينبغى عدها من جملة الفروق الفاسدة؟
«والجواب» من وجهين، أما أولا: فلأن الكلام فى تعريف الماهية بمعزل عن الكلام فى التفرقة بين الأمرين فلا يمزج أحدهما بالآخر، لأن الكلام فى التعريفات إنما هو كلام فى الماهية، ومعرفة الذات والكلام فى التفرقة إنما هو كلام فى الأحكام ومعرفة الخصائص، فأحدهما مخالف للآخر كما ترى. وأما ثانيا فلعلهم يذهبون معنا إلى القول بالفروق الصحيحة، وإن ذهبوا إلى تعريفهما بالتعريفات الفاسدة كما حكيناه عنهم، فخطأهم فى التعريفات الفاسدة لا يكون خطأ فى الفروق لانحراف أحدهما عن مقصد الآخر فظهر لك مما ذكرناه أن أحدهما مخالف للآخر.