أن يقال هو العلم بجواهر الكلم المفردة والمركبة ودلائل الألفاظ المركبة لا من جهة وضعها وإعرابها. فقولنا: العلم بجواهر الكلم المفردة والمركبة يشير إلى علم البيان، لأنه هو المراد به كما أشرنا إليه من قبل. وقولنا ودلائل الألفاظ المركبة، نرمز به إلى علم المعانى، لأن المقصود منه هو البلاغة، وهى غير حاصلة إلا من جهة التركيب لا غير، لأن المعانى لا يحصل لها الاتصاف بالبلاغة ولا ترتقى إلى مرتبتها إلا بالإفادة وهى متوقفة على التركيب لا محالة. وقولنا لا من جهة وضعها وإعرابها، فهذا قيد لا بدّ من مراعاته، ليخرج به عن علم اللغة وعلم الإعراب لأن حاصل ما يدل عليه علم اللغة، هو إحراز معانى الألفاظ المفردة، ودلالة علم الإعراب إنما يكون من جهة الإسناد والتركيب. ودلالة الألفاظ على علم البيان الذى هو الفصاحة وعلى علم المعانى الذى هو البلاغة هو أمر وراء ذلك مع كونه متوقفا عليهما وهما أمران يخالفانه فى مقصود الدلالة كما سنوضحه من بعد بمعونة الله تعالى.
[التعريف الثانى]
أن يقال فيه هو: العلم بما يعرض للكلم المفردة والمركبة من الفصاحة ويعرض للكلم المركبة من البلاغة على الخصوص. فقولنا ما يعرض للكلم المفردة والمركبة من الفصاحة، نشير به إلى علم البيان، وقولنا وما يعرض للكلم المركبة من البلاغة، نرمز به إلى علم المعانى لأنهما هما المرادان بما ذكرناه. وقولنا على الخصوص نحترز به عما تدلّ عليه الألفاظ المفردة والمركبة لا من جهة هاتين الدلالتين فإنه ليس مقصودا من علم البيان كما أسلفنا تقريره فى الحد الأول.
[التعريف الثالث]
أن يقال فيه هو العلم الذى يمكن معه الوقوف على معرفة أحوال الإعجاز، لأن الإجماع منعقد من جهة أهل التحقيق على أنه لا سبيل إلى الاطّلاع على معرفة حقائق الإعجاز وتقرير قواعده من الفصاحة والبلاغة إلا بإدراك هذا العلم وإحكام أساسه، فظهر بما قررناه فهم ماهيّته، وأن كل واحد من هذه التعريفات مرشد إلى تعريف حقيقته ومميّز له عن غيره من سائر العلوم.
[خيال وتنبيه]
فإن قال قائل: إن ما ذكرتموه من هذه التعريفات مختلفة فى أنفسها لأن كل واحد منها يفيد فائدة مخالفة لما يفيده الآخر، فلهذا حكمنا بكونها مختلفة. ومهما كانت التعريفات مختلفة كانت الحقائق فى ذواتها مختلفة، فكيف جعلتموها دالّة على حقيقة واحدة؟