اعلم أن الفعل يذكر وله تعلقات تخصه، من الذكر والحذف، والشرط، ويذكر الفاعل، وله تعلقات تخصه أيضا، ويذكر المفعول، وله تعلقات من الذكر والحذف، فهذه ضروب ثلاثة نذكر ما يخص كل واحد منها، وإنما صدرنا هذا النظر بذكر تعلقات الأفعال، لما كان أصل التعلق لها، فلهذا كان مصدّرا بها والله الموفق.
[الضرب الأول فى بيان ما يكون مختصا بالأفعال أنفسها،]
والأصل هو ذكر الفعل، لأنه هو الأصل فى البيان، كقوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ
[الفجر: ٢٢] وقال الله تعالى: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
[غافر: ٦٠] ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
[البقرة: ١٥٢] إلى غير ذلك من الآيات التى يذكر فيها الفعل، مما لا يحصى كثرة، ولكن يعرض له التقديم والتأخير، والحذف، وتعلق الشرط به، فهذه حالات ثلاث نذكرها بمعونة الله.
[الحالة الأولى: تقديمه وتأخيره،]
وذلك يكون على أوجه ثلاثة، الوجه الأول أن يكون مؤخرا، وإنما حسن فيه ذلك لأمرين، أما أولا: فلأن تقديم المفعول ربما كان من أجل الاهتمام به، والعناية بذكره، ومثال هذا من يكون له محبوب يتغيب عنه، فيقال له: ما تتمنى، فيقول معاجلا وجه الحبيب أتمنى، وكمن يمرض كثيرا فيقال له: ما تسأل الله تعالى، فيجيب تعجلا للإجابة: العافية أسأل، وأما ثانيا: فبأن يكون أصل الكلام هو التقديم، لكن فى مقتضى الحديث ما يقتضى تأخيره لعارض لفظى، ففى هذين الوجهين إنما حسن تأخيره من جهة الاهتمام بغيره، فهذا كان أحق بالذكر، وإذا حسن تقديم مفعوله كان مؤخرا، وثانيها: تقديمه وهو الأصل كقولك: ضربت زيدا، وأكرمته، فتقدم الفعل لما كان الأصل هو تقديمه، قال الله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
[المائدة: ٩] وقال الله تعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ
[الأحزاب: ٢٥] إلى غير ذلك، وهو كثير، فاكتفينا بالأمثلة القليلة، فحصل من مجموع ما ذكرناه أن الفعل إذا كان مقدما فهو الأصل، لأنه عامل، ومن حق العامل أن يكون مقدما على معموله، وإذا كان مؤخرا فهو على خلاف الأصل لغرض وفائدة كما نبهنا عليه، وثالثها توسطه بين مفعوليه، وإنما كان كذلك من أجل الاهتمام بالمقدم منهما.