[البحث الأول فى مراعاة المحاسن المتعلقة بأفراد الحروف]
ولنشر منها إلى تقسيمين، التقسيم الأول: باعتبار مخارجها وهو أنواع ثلاثة:
النوع الأول: مخرج الحلق، وله سبعة أحرف، ولها منه مخارج ثلاثة فللهمزة، والهاء، والألف أقصى الحلق، وللعين والحاء أوسطه، وللغين، والخاء أدناه.
النوع الثانى: الشفهيّة وهى الباء، والفاء، والميم، والواو.
النوع الثالث: حروف اللسان وهو ما عدا هذين المخرجين على تفاوت فيها فى حافات اللسان ومدارجه ووقوعها فى طرفه، ووسطه، وأقصاه، وموضعه كتب النحاة.
التقسيم الثانى: باعتبار ما يعرض لها فى أنفسها من الجهر، والهمس، والشدة، والرخاوة، واللين، والإطباق، والانفتاح، والانخفاض، والاستعلاء وغير ذلك.
فالأحرف الشفهية أخف الأحرف موقعا، وألذها سماعا، وأسلسها جريا على الألسنة. وحروف الذلاقة منها وهى الراء، واللام، والنون، لأن مخرجها من ذولق اللسان وهو طرفه، ويكثر استعمالها فى الكلام، وما ذاك إلا من أجل خفة مجراها وطيب نغمتها، وسهولتها على النطق، ولهذا فإنك لا ترى كلمة رباعية أو خماسية معراة من حروف الذلاقة إلا على جهة الندرة والقلة وجدت فى كلام العرب كالعسجد، اسم للذهب، والعذيوط، وهو الذى يحدث على فراشه وغيرهما، فدخول هذه الأحرف فى الأبنية من أجل ترقيقها وتلطيفها، وحسنها على المسموع، وما من واحد من الأحرف السبعة والعشرين العربية إلا وهو مختص بنوع فضيلة لكنها متفاوتة فى الصفاء والرقة، ولهذا فإنك تجد «العين» أنصع الحروف جرسا وألذها سماعا و «القاف» مختصة بالوضوح، والمتانة، وشدة الجهر فإذا وقعا فى كلمة حسناها لما فيهما من تلك المزية، وهكذا كل حرف منها له مزية لا يشاركه فيها غيره، فسبحان من أنفذ فى الأشياء دقيق حكمته وأحكم المكونات بعجيب صنعته. فمتى روعيت هذه الاعتبارات وألفت الكلمة من هذه الأحرف السهلة كان الكلام فى نهاية العذوبة وجرى على أسلات الألسنة بالسلاسة وخفة المنطق، وهذا هو المراد بكون الكلام فصيحا كما سنوضح القول فى كون الفصاحة من عوارض الألفاظ أم من عوارض المعانى.