وهو تفعل من قولهم تهكّمت البئر، إذا تساقطت جوانبها، وهو عبارة عن شدة الغضب لأن الإنسان إذا اشتد غضبه فإنه يخرج عن حد الاستقامة وتتغير أحواله، وفى الحديث عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«اتقوا الغضب فإنه يوقد فى فؤاد ابن آدم النار، ألا تروه إذا غضب كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه»«١» ، وهو فى مصطلح علماء البيان عبارة عن إخراج الكلام على ضد مقتضى الحال استهزاء بالمخاطب، ودخوله كثير فى كلام الله تعالى: وكلام رسوله وعلى ألسنة الفصحاء، وله موقع عظيم فى إفادة البلاغة والفصاحة، ويرد على أوجه خمسة، أولها أن يكون واردا على جهة الوعيد بلفظ الوعد تهكما، وهذا كقوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤)
[النساء: ١٣٨] فلفظ البشارة دال على الوعد وعلى حصول كل محبوب، فإذا وصل بالمكروه كان دالا على التهكم لإخراجه المحبوب فى صورة المكروه، وثانيها أن تورد صفات المدح والمقصود بها الذم، ومثاله قوله تعالى: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)
[الدخان: ٤٩] لأن المقصود هو الاستخفاف والإهانة، ولهذا ورد فى حق من كان يدخل النار، والغرض منه الذليل المهان، ولكنه أخرجه هذا المخرج للتهكم، وثالثها قوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ
[الأحزاب: ١٨] وقوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ
[الأنعام: ٣٣] فما هذا حاله دال على القلة، لأن المضارع إذا لصق به قد، فهو دال على القلة والغرض ههنا التكثير والتحقيق للعلم بما ذكره، وإنما أورده على جهة التهكم بهم والاستهانة بحالهم حيث أسروا الخدع والمكر جهلا بأن الله تعالى غير مطلع على تلك الخفايا ولا محيط بتيك السرائر، فأورده على جهة التقليل، والغرض به التحقيق انتقاصا بحالهم فى ظنهم لما ظنوه من ذلك، ورابعها قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢)
[الحجر: ٢] فأورده على جهة التقليل، وأخرجه مخرج الشك، والغرض به التكثير والتحقيق فى حالهم تلك، لأنهم فى تلك الحالة يتحققون ويقطعون بأنهم لو كانوا على الإسلام قطعا ويقينا لما