[البقرة: ٢٢٣] والحرث إنما يكون فى الأرض، فلهذا ازدادت رشاقة وحسنا، فهذه الآيات كلها يجوز حملها على ما ذكرناه من الكنايات على جهة المجاز مع الوفاء بما تحتمله من ظاهرها على وجه الحقيقة، وقد قررنا فيما سبق أنه ليس فى المجازات ما يجوز حمله على حقيقته، ومجازه معا سوى الكناية فلا مطمع فى إعادته، وفى القرآن كنايات كثيرة أعرضنا عنها استكفاء بما ذكرناه، وتنبيها بالأقل منها على الأكثر.
[النوع الثانى فيما ورد من الكنايات فى الأخبار النبوية]
فمن ذلك ما روى أن رجلا يقال له «أنجشة» غلام أسود وكان فى بعض أسفاره، فحدا بالإبل فطربت لحسن حدائه فأسرعت فى سيرها وعليها النساء فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم ويحك يا أنجشة، سوقك بالقوارير. فهذه كناية لطيفة، وإنما كنى عنهن «بالقوارير» لأمور ثلاثة، أما أولا فلما هن عليه من حفظ الأجنة، والوعاء كالقارورة تحفظ ما فيها، وأما ثانيا فلاختصاصهن بالصفاء والصقالة، والحسن والنضارة، وأما ثالثا فلما فيهن من الرقة والمسارعة إلى التغير والانثلام، كما يتسارع الانكسار إلى القارورة لرقتها، وهذا الوجه هو الذى يومىء إليه كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم حيث قال له. «رفقا بالقوارير» فى حديث غير هذا، ومن ذلك ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: كانت امرأة ممن كان من قبلنا، وكان لها ابن عم يحبها فراودها على نفسها فامتنعت منه، فأصابتها سنة مجدبة فجاءت إليه تسأله فراودها فمكنته من نفسها، فلما قعد منها مقعد الخائن قالت له: اتق الله ولا تفضض الخاتم إلا بحقه، فقام وتركها، وهذه كناية قد وقعت موقعها فى اللطافة والرقة، وكنت بالخاتم عن بكارتها، وأنها بمنزلة الشىء المختوم الذى لم ينكسر ختمه، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم لما جاءه رجل يشهد له بالزنا على نفسه، فقال له. لعلك لا تعرف الزنا، فقال له. والله يا رسول الله لقد غيبت ميلى فى مكحلتها كما يغيب الرشاء فى البئر، فكنى بالميل عن الذكر، وبالمكحلة عن فرج المرأة، ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلم لخوّات بن جبير، وقد كان خوات كثيرا ما يرد على النساء فى مجامعهن فيقول: إن معى بعيرا شرودا فمن يفتل له منكن قيدا أقيده به، فكنى بالبعير عن ذكره، فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم يوما وقد لقيه: ياخوات ما فعل بعيرك الشارد، فقال يا رسول الله قيده