للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المرتبة الثالثة ما يكون واردا على جهة الاحتذاء]

على مثال سابق، ومنوال متقدم، وهذا كالبخل فإنه ورد عنهم فيه أشياء كثيرة كلها دال على مقصود واحد فى الهجاء به وهذا كقول أبى نواس يصف بخيلا:

شرابك فى السراب إذا عطشنا ... وخيرك عند منقطع التراب

فما روحتنا لتذب عنا ... ولكن خفت مرزئة الذباب

ومن ذلك ما قاله بعض المغاربة يهجو إنسانا احترقت داره يقال له ابن طليل:

انظر إلى الأيام كيف تسوقنا ... طوعا إلى الأقدار بالأقدار

ما أوقد ابن طليل قط بداره ... نارا وكان هلاكها بالنار

وكما قال بعض الشعراء فى ذم اللؤم والبخل:

زد رفعة وإن قيل أغضى ... ثم انخفض إن قيل أثرى

كالغصن يدنوا ما اكتسى ... ثمرا وينأى ما تعرى

ومما ولع به الشعراء وتهالكوا فى التعبير عن أحوال الطلول والرسوم وأحوال الديار، قال أبو الطيب المتنبى:

لك يا منازل فى القلوب منازل ... أقفرت أنت وهن منك أو اهل

فأخذ هذا المعنى أبو تمام وأجاد فيه كل الإجادة فقال:

عفت الرسوم وما عفت أحشاؤه ... من عهد شوق ما يحول فيذهب

فأخذه البحترى ونسج على منواله بقوله:

صوقفت وأحشائى منازل للأسى ... به وهو قفر قد تعفت منازله

وقال امرؤ القيس:

عوجوا على الطلل المحيل لعلنا ... نبكى الديار كما بكى ابن حذام

فابن حذام هذا هو أول من بكى على الديار فلهذا حذوا على حذوه، ووصفو الديار بأوصاف مختلفة كلها متفقة فى مقصود واحد، ولنقتصر على هذا القدر من تمهيد قاعدة هذا الفن،

[ونشرع الآن فى شرح مقاصده]

فلنذكر ما يتعلق بذكر علوم البيان من مواقع المجاز فى

<<  <  ج: ص:  >  >>