اعلم أن المعاظلة قد تكون وصفا عارضا للمعنى، وقد تكون من عوارض الألفاظ، فأما تعلقها بالمعانى فسنذكره عند ذكرنا الأحاجى المعنوية، فذكرها هناك أخص من غيره ولكنا إنما نذكر ههنا ما يختص بالمعاظلة وهى من عوارض التركيب والتأليف فى الكلام، وقد اختلف فى معناها على قولين:
فالقول الأول منهما يحكى عن قدامة بن جعفر الكاتب قال المعاظلة فى الكلام هو إدخالك فيه ما ليس من جنسه وإلزامه إياه، ومثله بقول أوس بن حجر:
فسمى الصبى تولبا، والتولب ولد الحمار، وهذا لا وجه له لأمرين، أما أولا فلأنه يلزم أن تكون الاستعارة معاظلة، وهو فاسد، وأما ثانيا فلأنه إنما يكون الاعتراض والاستطراد وغير ذلك من الكلمات الدخيلة معاظلة، فبطل ما قاله.
القول الثانى أن المعاظلة هى تركيب الكلام وترادف ألفاظه على جهة التكرير، واشتقاقه من قولهم: تعاظلت الجراد، إذا ركب بعضها بعضا عند الازدحام، وغالب الظن أن «قدامة» إنما سمى ما ذكره معاظلة، اشتقاقا له من قولهم تعاظلت الكلاب إذا لزم بعضها بعضا عند السفاد، فلما ألزم الكلام ما ليس منه كان عظالا، فإذن المعاظلة إنما تكون عارضة فى تركيب الكلام وتأليفه، وتنحصر فى خمسة أضرب.
[الضرب الأول منها فى المعاظلة بتكرير الأحرف المفردة]
اعلم أن العرب الذين هم الأصل فى هذه اللغة قد عدلوا عن تكرير الحروف المتماثلة فى كثير من كلامهم إلى الإدغام وما ذاك إلا لأجل ثقله على ألسنتهم، وهكذا فعلوا فى المتقاربين أيضا فقالوا: مد وشد، والأصل فيه مدد وشدد إلى غير ذلك من الأحرف المتماثلة، ومن أجل شدة كراهيتهم لتلك أبدلوا من أحد حرفى التضعيف حرف لين حذرا من ذلك، وهذا كما قالوا: تسريت فى تسررت وتطبيت فى تطببت وفى نحو ديوان وديباج والأصل فيه