للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المرتبة الثانية فى بيان المزايا الراجعة إلى معانيه]

اعلم أن بإحكام النظر فى هذه المرتبة، وإمعان الفكرة فيها، تظهر عجائب التنزيل، وتبرز بدائعه وغرائبه وتتجلى محاسنه، وتصفو مشاربه، لما فيها من الكشف لأسراره والإحاطة بغوائله وأغواره، ولن يحصل ذلك كل الحصول، ولا تطلع أقمار بعد الأفول، إلا بعد ذكر ما يتعلق بعلوم الإعجاز، لأنها تكون كالآلة فى تقرير تلك المحاسن، وإظهار كنوز تلك المعادن، فنذكر ما يتعلق بالعلوم المعنوية، ثم نردفه بما يتعلق بالأسرار البيانية، ثم نذكر ما يتعلق بالبلاغة اللفظية، ثم بالبلاغة المعنوية، ثم نذكر على إثرهما ما يتعلق بأسرار البديع، فهذه أقسام ثلاثة، بإحرازها، والاطلاع على رموزها، يظهر الإعجاز للإنسان ظهور المرئى فى العيان، ولقد سبق صدر من هذا الكلام فى الدلائل الإفرادية، ولكن ذكره ههنا على جهة الاختصاص بمعانى التنزيل، والإشارة إلى كنه حقائقها،

[ونحن الآن نذكر ما يتعلق بكل قسم من هذه الأقسام بمعونة الله تعالى.]

[القسم الأول ما يتعلق بالعلوم المعنوية]

وهو فى لسان علماء هذه الصناعة عبارة عما ينشأ من الألفاظ العربية على اختلاف أحوالها، وحقيقته آئلة إلى أنه علم تدرك به أحوال الألفاظ العربية على حسب المقصود منها، فقولنا «علم تدرك به أحوال الألفاظ» نحترز به عن علم البيان، فإنه يدرك به أسرار تنشأ عن التراكيب كما سنوضحه، وقولنا «على حسب المقصود منها» نشير به إلى الأمور الخبرية، والأمور الإنشائية الطلبية، وغيرهما مما يكون مفهوما من الألفاظ العربية، وينحصر المقصود منه فى أنظار خمسة.

[النظر الأول ما يكون متعلقا بالأمور الخبرية،]

وحقيقة الخبر إسناد أمر إلى غيره، إما على جهة المطابقة، أو خلافها، فقولنا «إسناد أمر إلى غيره» يعم الطلب والخبر، لأن كل واحد منهما لابد فيه من الإسناد، وقولنا «إما على جهة المطابقة أو غيرها» تخرج عنه الأمور الإنشائية، فإنه لا يعتبر فيها عدم المطابقة ولا ثبوتها بحال، وينقسم إلى صدق وكذب لا غير، لأنه إن طابق مخبره فهو الصدق، وإن كان غير مطابق فهو الكذب بعينه، ولا واسطة بين الصدق والكذب، وزعم الجاحظ أن كل ما طابق من الأخبار المخبر مع الاعتقاد أو الظن فهو صدق، وما لا يطابق معهما

<<  <  ج: ص:  >  >>