[الفصل التاسع فى بيان منزلة اللفظ من معناه وكيفية إضافته إلى قائله، وكيفية دلالته على معناه وبيان قوة المعنى لقوة اللفظ.]
اعلم أن هذا الفصل إنما أوردناه ههنا لكونه مشتملا على قوانين تتعلق بالدلائل الإفرادية، ولها تعلق بما نحن فيه من علة المعانى، وتفيد فيه فائدة جزلة غير خافية، وجملتها أربعة:
[القانون الأول فى بيان منزلة اللفظ من معناه، وبيان درجته منه]
اعلم أن الذى عليه علماء الأدب من أهل اللغة وعلم الإعراب وهو الذى عول عليه جماهير الأصوليين أن دلالة الألفاظ على معانيها، إنما هو من جهة المواضعة، وخالف فى ذلك طوائف. واستقصاء الكلام يليق بالمباحث الكلامية، فإذا قلت: قام زيد فإنه يفيد بالوضع أمورا ثلاثة، القيام، وزيد، واتصاف زيد بالقيام، فإذا كانت الألفاظ مفيدة للمعانى كما ترى لكونها موضوعة من أجلها، فاعلم أن الذى عليه أهل التحقيق أن الألفاظ تابعة للمعانى، وقد صار صائرون إلى أن المعانى تابعة للألفاظ، والذى أوقعهم فى هذا الوهم وقرر عندهم هذا الخيال، هو أنهم لما رأوا المعانى لا يرسخ معقولها فى الأفئدة إلا بعد أن تخرق الألفاظ قراطيس أسماعهم، فتوهموا من أجل ذلك أنها تابعة للألفاظ، والمعتمد فى بطلان هذه المقالة أوجه ثلاثة، أولها: هو أن معنى الفرس، والأسد، والإنسان، مفهوم عند العقلاء لا يتغير، والعبارات عن كل واحد من هذه الحقائق تختلف عليه بحسب اختلاف اللغات من العربية، والفارسية، والتركية، والرومية، والسريانية، فلو كانت المعانى تابعة للألفاظ كما زعموه لوجب أن تكون مختلفة لاختلاف هذه الألفاظ، فلما عرفنا خلاف ذلك دل على صحة ما قلناه، من كون المعانى أصلا للألفاظ، وثانيا: أن المعانى منها ما يكون معنى واحدا، ثم توضع له ألفاظ كثيرة تدل عليه وتشعر به، فلو كانت المعانى تابعة للألفاظ لكان يلزم إذا كانت الألفاظ مختلفة أن يكون المعانى مختلفة أيضا، فلما كان المعنى واحدا والألفاظ متغايرة بطل ما قالوه، وثالثها أن المعانى لو