وهو فن من فنون البلاغة حسن التأليف والانتظام مشتمل على ما يجوز فيه من الكلم الإهمال والإعجام، وهو أن يكون الكلام من المنثور والمنظوم معقودا من جزءين إحدى كلمتى العقد منقوطة كلها، والأخرى مهملة كلها، واستعارة هذا اللقب من قولهم فرس أخيف إذا كان إحدى عينيه سوداء والأخرى زرقاء، فأما مثاله من النظم ما قاله فى الحريريات:
اسمح فبثّ السماح زين ... ولا تخب آملا تضيّف
فأنت إذا اعتبرت ما ذكرناه وجدته مطابقا لكلمات هذا البيت، ألا ترى أن قوله «اسمح» لا ينقط شىء من حروفه بحال، بل هى مهملة، وقوله «فبث» منقوطة كلها، وهكذا القول فى سائر كلمات البيت، وأما مثاله من النثر فكقوله أيضا: الكرم ثبّت الله جيش سعودك يزين، والّلؤم غضّ الدهر جفن حسودك يشين، والأروع يثيب، والمعور يخيب، والحلاحل يضيف، والماحل يخيف، إلى آخر كلامه فى هذه الرسالة، فتعتبرها على ما ذكرناه من هذا الاعتبار فتجدها كذلك، فهذه رسالة سبكها على هذا السبك، وألفها على هذا الانتظام فى السّلك، ومما يجىء على أثره ويسبك من خلاصة جوهره نوع آخر من هذه الرسائل يلقّب بالرّقطاء، وهى مخالفة لما ذكره فى الخيف، لكنها تختص بها نوعا من الاختصاص، وهى أن تكون الكلمة الواحدة أحد حروفها منقوط، والآخر مهمل لا نقط فيه، واشتقاقه من قولهم شاة رقطاء، وهى التى فى جلدها نقط من سواد وبياض، وليس وراء هذا شىء، خلا ما ذكرناه من الأحكام فى البلاغة، وعلو مراتب الفصاحة وسلاطة اللسان، وجودة القريحة، وصفاء الذهن إلى غير ذلك من المواد التى يجعلها الله فى بعض الأشخاص دون بعض، فأما مثاله من النثر فكقوله فى الحريريات أخلاق سيدنا تحب، وبعقوته تلبّ، فالهمزة مهملة، والخاء منقوطة، واللام مهملة، والقاف منقوطة وهكذا قوله سيدنا على هذه العدة من غير تفاوت، ثم قال وقربه تحف، ونأيه تلف، وأما