[تتمة الفن الثانى من علوم هذا الكتاب وهو فن المقاصد اللائقة]
[تتمة باب الرابع من فن المقاصد في ذكر أنواع البديع وبيان أقسامه]
[تتمة النمط الاول ما يتعلق بذكر الفصاحة اللفظية وبيانها]
[الصنف السابع التخييل]
اعلم أن هذا النوع من علم البديع من مرامى سهام البلاغة المسددة، وعقد من عقود لآليه وجمانه المبددة، كثير التدوار فى كتاب الله تعالى، والسنة الشريفة، لما فيه من الدقة والرموز، واستيلائه على إثارة المعادن والكنوز، ومن أجل ذلك ضل من ضل من الجبرية بسبب آيات الهدى والضلال، وعمل من أجله على الانسلاخ عن الحكمة والانسلال، وزل من زل من المشبهة باعتقاد التشبيه، وزال عن اعتقاد التوحيد باعتقاد ظاهر الأعضاء والجوارح فى الآى فارتطم فى بحر التمويه، فهو أحق علوم البلاغة بالإتقان، وأولاها بالفحص عن لطائفه والإمعان، ولو لم يكن فى الإحاطة به إلا السلامة عما ذكرناه من زيغ الجهال، والخلاص عن ورط الزيغ والضلال، لكان ذلك بغية النظار والضالة التى يطلبها غاصة البحار، فضلا عما وراء ذلك من درر مكنونة، وأسرار مودعة فيه مخزونة، ومن ثم قال الشيخ النحرير محمود بن عمر الزمخشرى نوّر الله حفرته: ولا نرى بابا فى علم البيان أدق ولا ألطف من هذا الباب ولا أنفع لى عونا على تعاطى المشتبهات من كلام الله تعالى وكلام الأنبياء، ولعمرى لقد قال حقا ونطق صدقا. ثم أقول: إن السبب فى حسن موقعه فى البلاغة هو ما اختص به هذا النوع من كونه موضوعا على تشبيه غير المحسوس بالمحسوس، كقوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ
[المائدة: ٦٤] وقوله تعالى: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا
[القمر: ١٤] إلى غير ذلك وفى ذلك من البلاغة ما لا يخفى، فلأجل ما ذكرناه كان واقعا فى أرفع موضع، فلا جرم إن نحن خصصناه بازدياد بسط وتكثير أمثلة، وسببه ما نبهنا عليه من عظم قدره، وعلو شأنه، وظهور أمره، والتخييل مصدر من قولك تخيلت الأمر إذا ظننته على خلاف ما هو عليه، أو من قولك: خيلت فيك خيرا إذا ظننته فيه، فهو مصدر لهذين الفعلين كما ترى، ومنه الخيال، وهو خشبة توضع عليها ثياب سود تنصب للطير والبهائم فتظنه إنسانا فتبعد عنه وتهابه، قال الشاعر:
أخى لا أخا لى بعده غير أننى ... كراعى خيال يستطيف بلا فكر